• الموقع : وكالة عين شاهد .
        • القسم الرئيسي : مقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : عالم ما بعد الهيمنة الأمريكية .

عالم ما بعد الهيمنة الأمريكية

 

 

 

 

إبراهيم نوار 
كاتب مصري 
القديم يحتضر .. والجديد لم يولد بعد.
دخلنا و دخل العالم مرحلة سياسية واقتصادية مليئة بالقلق وعدم اليقين بشأن المستقبل. حتى الآن لم تتشكل بعد ملامح "الجديد"، ولا يستطيع "القديم" مواصلة الوجود بالكيفية التي استمر بها من قبل. وقد زادت قوة الاعتقاد بأن النظام العالمي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية لم يفقد قدرته على الاستمرار فقط، بل إن الدولة التي أسهمت بالقسط الأكبر في إقامته، وهي الولايات المتحدة، تتولى هدمه! وخلال الفترة منذ سقوط الاتحاد السوفيتي (1991)، إتجهت الولايات المتحدة إلى الانفراد بالقرار الدولي، بدون أي اعتبار للقواعد والقيم والمؤسسات القائمة، و اعتمدت على ترتيبات ثنائية أو متعددة الأطراف مع بعض حلفائها، من أجل تحقيق الأهداف التي تريدها. 

في هذا السياق كانت حرب الخليج عام 1991 نتاجا لترتيبات تحالف عالمي أقامته الولايات المتحدة، وكذلك كانت الحرب على أفغانستان عام 2001 - 2021، و حرب العراق 2003 ، والتحالف الدولي للحرب على الإرهاب الذي ما يزال مستمرا حتى الآن. وفي حروب ونزاعات وتطورات أخرى محورية في العالم  مثل حرب البوسنة 1992 - 1995، وحروب جنوب السودان والصومال، وصولا إلى ما نراه الآن من مفاوضات مع إيران بشأن برنامجها النووي. منذ انفراد الولايات المتحدة بالقرار الدولي كان دور النظام الدولي الرسمي ومؤسساته دورا شكليا و هامشيا، في حين كانت الصفقات والتحالفات الجانبية هي الطريق إلى التعامل معها خارج القانون الدولي. ولا شك أننا نرى الآن في حرب غزة والحروب الأخرى المسكوت عنها التي تقوم بها إسرائيل والولايات المتحدة في لبنان وسورية واليمن وغيرها، بما في ذلك ضرب عواصم هذه الدول، خارج نطاق القانون الدولي، ما يؤكد أن النظام العالمي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية لحفظ السلام والأمن وتحقيق التنمية في العالم فقد فاعليته ومصداقيته. ووصلت الوقاحة بالإدارة الأمريكية الحالية إلى حد التهديد باحتلال دولة مستقلة هي بنما، والجهر بالعزم على اغتصاب جزيرة جرينلاند الدنماركية، و إعلان الرغبة في تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه في غزة، وتحويل هذه الارض إلى مشروع للاستثمار العقاري.

وتمثل الحرب التجارية الأمريكية ضد العالم كله مثالا فاضحا على خروج واشنطن عن قواعد ومؤسسات النظام التجاري الدولى، الذي أقيم وتطور قانونيا ومؤسسيا منذ ديسمبر عام 1964 بانعقاد مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، وتُوِّج بتأسيس منظمة التجارة العالمية عام 1995، بهدف تأكيد مبادئ حرية التجارة وترسيخ قواعد المعاملات العادلة بين الدول، وجعل التجارة في خدمة التنمية. ويبدو أن الرئيس الأمريكي الحالي، دون أن يقصد، قد كشف عن قواعد النظام العالمي الذي يريد إقامته على أنقاض النظام القديم، عندما أعلن في أكثر من مناسبة أنه يسعى إلى استخدام الضغط بالتعريفات الجمركية من أجل عقد صفقات مع الشركاء التجاريين للولايات المتحدة خارج النظام التجاري الدولي. هذا المنطق يعكس في حقيقة الأمر فلسفة الرؤية الأمريكية الحالية في أن يكون النظام الدولي بلا قواعد ولا مؤسسات، وإنما يقوم على مساومات وصفقات تحكمها المصلحة الأمريكية (أمريكا أولا). ومع أن دول التحالف الغربي تعايشت منذ عام 1991 حتى حرب أوكرانيا مع ميل الولايات المتحدة إلى العمل خارج النظام الدولي، غير أنها عندما أصبحت ضحية لهذه السياسة، فقد اكتشفت فجأة عدم مصداقية وشرعية النظام الذي يسعى ترامب إلى تثبيته. ولذلك فإنها تبحث الآن عن صيغة جديدة، تضمن تحقيق مصالحها، واستقرار العلاقات الدولية على أساس قواعد راسخة. لكن دول التحالف الغربي داخل حلف الأطلنطي وفي مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، لم تتفق حتى الآن، وربما لم تكتشف بعد الطريق إلى تحديد معالم نظام عالمي جديد، يضمن الأمن والسلام والاستقرار وتحقيق الرخاء للعالم. 

ومع ذلك فإن بلورة مقومات نظام دولي جديد هو عملية  تحتاج إلى سنوات وربما إلى عقود حتى منتصف القرن الحالي على الأكثر. و من المرجح أن تترافق هذه العملية مع تغييرات عنيفة في نمط العلاقات الدولية، نظرا لأن الولايات المتحدة لم تعد مؤهلة لقيادة العالم حتى في نظر عدد كبير من حلفائها. ونظرا لأن انتقال القيادة من الغرب إلى الشرق يصطدم بحقيقة هيمنة الغرب على النظام العالمي منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، فإن عملية الانتقال لن تكون سهلة. بل إن ما يزيد من احتمالات خشونة عملية انتقال القيادة أن دول التحالف الغربي بشكل عام تنظر إلى الصين، القوة المرشحة لقيادة العالم، في إطار نظام متعدد الاقطاب، بعد منتصف القرن الحالي، نظرة مليئة بالشكوك، بسبب نظامها السياسي الذي يقوم على احتكار الحزب الشيوعي للسياسة والاختلاف الكبير في منظومة القيم السياسية والاجتماعية بين الطرفين. 

لقد كانت عملية انتقال القيادة السياسية للعالم إلى الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية هي أكبر المكاسب التي حققتها من الحرب، نظرا لأنها لم تتمكن من الصعود إلى هذه المكانة  رغم أنها كانت القوة الاقتصادية الأكبر في العالم منذ عام 1890 تقريبا. وقد تحقق هذا الصعود بسبب صراع داخل التحالف الغربي نفسه الذي انتصر في الحرب العالمية الأولى، ومن ثم فقد كان مقبولا، لأن أوروبا خرجت من الحرب وهي مقسمة، ومدمرة، ومدينة ماليا وأخلاقيا للولايات المتحدة، ولم تكن تستطيع إعادة بناء نفسها إلا بمساعدة برنامج مارشال الأمريكي. هذه المرة من المرجح ألا يكون انتقال قيادة النظام العالمي ناعما وسهلا.


  • المصدر : http://www.ayn-shahid.com/subject.php?id=10281
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2025 / 04 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 04 / 28