احتجت المحكمة الجنائية الدولية، الأربعاء، على حكومة المجر بسبب رفضها اعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي زار البلاد مطلع أبريل/نيسان الجاري بعد صدور مذكرة اعتقال بحقه في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 حيث تتهمه المحكمة بارتكاب جرائم إبادة ضد سكان قطاع غزة.
ففي الثالث من أبريل/نيسان الحالي ولمدة 4 أيام، كان نتنياهو موضوع ترحاب منقطع النظير في المجر، حيث استقبل بالأحضان والورود وفرش له البساط الأحمر، ولم يكتف البلد الأوروبي برفض تطبيق أمر اعتقال نتنياهو كما يلزمه القانون، بل زاد بالتهجم على أعلى سلطة جنائية في العالم وأعلن انسحابه منها.
في هذا التقرير سنسعى لكشف سر هذا التحدي للعالم وللأخلاق الذي قامت به المجر والذي واجه تنديدا عالميا واسعا، وسنتتبع علاقات خاصة على مدى عقود ربطت بين نتنياهو ورئيس الحكومة المجري فيكتور أوربان.
كما سنكشف كيف استغل أوربان العلاقات مع نتنياهو لربط صلات مع اللوبي الصهيوني في أميركا، ترسيخا لحكمه، وتكفيرا عن ماضيه في معاداة السامية، وصقلا للإرث المجري الثقيل كموطن من مواطن ما يسمى الهولوكوست، وكيف جعل من العداء للإسلام والمسلمين جسرا لتوطيد علاقاته مع اللوبيات الصهيونية ومن خلالها مع الإدارة الأميركية وخصوصا خلال عهدي ترامب الأول والثاني.
حلف المارقين
اعتبر الصحفي باسكال برونيل في مقال على صحيفة "ليزيشو" الفرنسية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو المتهم بارتكاب إبادة في قطاع غزة، سعى من خلال زيارة المجر إلى التخلص من صورته كشخص منبوذ عالميًا.
وتعد المجر أول وجهة خارجية لنتنياهو منذ إصدار أمر دولي باعتقاله، باستثناء سفره إلى الولايات المتحدة الذي اضطر خلاله لتحويل مسار طائرته لأكثر من ساعتين لتجنب التحليق فوق الدول التي من المرجح أن تعتقله.
وبحسب صحيفة ليزيشو، فإن دولا قليلة فقط أعلنت أنها لن تنفذ أمر اعتقال بنيامين نتنياهو، فإلى جانب الولايات المتحدة والمجر، اتخذت دولتا التشيك والأرجنتين قرارا مماثلا، وتشترك هذه الدول في أنها تقاد من طرف حكومات شعبوية تعتنق أيديولوجيا معادية لمفهوم سيادة القانون، وقد تعززت هذه الأيديولوجيا مؤخرا مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
ووفقا لتقرير لصحيفة غارديان بعنوان "أوربان يتحدي المحكمة الجنائية الدولية"، فإنه بعد ساعات من إعلان المحكمة الجنائية الدولية عن أوامر الاعتقال، أعلن رئيس الوزراء المجري أنه سيتحدى المحكمة باستضافة نتنياهو، قائلا للصحفيين إنه "سيضمن ألا يكون لقرار المحكمة أي أثر في المجر".
وبحسب غارديان، فإن المجر ضربت بالتزاماتها الدولية عرض الحائط، بل وجهت انتقادات لاذعة للمحكمة تماهيا مع الموقف الإسرائيلي الأميركي.
وفي بيان حصلت عليه الصحيفة، أكدت المحكمة الجنائية الدولية أن الدول الأعضاء ملزمة قانونًا بتنفيذ أحكام المحكمة، وأن أمر "تحديد سلامة القرارات القانونية للمحكمة" لا يعود للأطراف، بل للمحكمة وحدها.
وعندما سُئل متحدث باسم المفوضية الأوروبية عن زيارة نتنياهو للمجر، قال إنه ينبغي على جميع الدول ضمان التعاون الكامل مع المحاكم والتنفيذ الفوري لأوامر الاعتقال الصادرة عنها.
وانتقدت هيئات حقوق الإنسان قرار المجر، وقالت منظمة العفو الدولية في بيان لها إن "نتنياهو يلاحق كمجرم حرب متهم باستخدام التجويع ومهاجمة المدنيين وقتلهم واضطهادهم، وبالتالي فإن استقبال بودابست له يظهر ازدراءً بالقانون الدولي، ويؤكد أن مجرمي الحرب المطلوبين من قبل المحكمة الجنائية الدولية مرحب بهم في شوارع دولة عضو في الاتحاد الأوروبي".
أوربان معروف بخرق القانون
وكانت صحيفة نيويورك تايمز قد ذكرت في تقرير لمدير مكتبها في شرق أوروبا أندرو هيغينز أن أوربان بدعوته نتنياهو لزيارة المجر كرس النظرة المعروفة عنه بخرقه الدائم للقواعد في أوروبا، حيث انفرد بين الأوروبيين برفضه القاطع لقرار المحكمة، وهو ما جعل رئيس الوزراء الإسرائيلي يشكره على ما سماه "وضوحه الأخلاقي" و"وقوفه إلى جانب العدالة والحقيقة".
ونقلت غارديان عن منظمة هيومن رايتس ووتش أن أوربان واجه مرارًا وتكرارًا تهما بتقويض المؤسسات الديمقراطية، وتمثل زيارة نتنياهو أحدث اعتداء من جانب أوربان على سيادة القانون، مما يزيد من "سجل البلاد السيئ في مجال الحقوق" مضيفة أن على جميع الدول أن تشجب ما قامت بها المجر من تمرد على القانون الدولي.
وكانت المجر قد اتُّهمت باحتضان موقع لإنتاج أجهزة البيجر الهاتفية التي استخدمتها إسرائيل في عملية تفجيرات واسعة في لبنان ضد أعضاء في حزب الله في سبتمبر/أيلول الماضي.
ونقل موقع "بي بي سي" البريطاني يومها عن مؤسس شركة غولد أبولو التايوانية هسو تشينغ كوانغ قوله إن "أجهزة البيجر المستخدمة في تفجيرات لبنان صنعت في شركة "بي إي سي" للاستشارات ومقرها العاصمة المجرية بودابست، مضيفا أن الشركة المذكورة لديها اتفاق مع شركته يمنحها حق تصنيع الأجهزة واستخدام العلامة التجارية لشركته التي اعتبر أنها كانت أيضا ضحية.
ويؤكد مراسل نيويورك تايمز هيغينز في تقريره أن لأوربان ـ الذي يُقدّم نفسه على أنه شخص متمرد على غرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب ـسجلا حافلا بخرق الولاءات الأوروبية وتحدّي ما يراه تجاوزات قضائية مُناهضة للديمقراطية من قِبل المحاكم المحلية والدولية.
فبعد أيام قليلة من تولّي المجر في يوليو/تموز الماضي الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، وتبنّيها شعار "لنجعل أوروبا عظيمة من جديد"، أثار أوربان استياء زملائه القادة الأوروبيين بسفره جوا إلى موسكو للقاء الرئيس فلاديمير بوتين، منتهكا بذلك سياسة أوروبا الرامية إلى عزل روسيا.
ويصف مدير معهد رأس المال السياسي، وهو مركز بحثي في بودابست بيتر كريكو، تحدي أوربان للمحكمة الجنائية الدولية بأنه "استمرار لمنطقه المناهض للمؤسسة"، ولفتة ليس فقط لنتنياهو، بل أيضا لترامب، الذي يُشاركه آراءه المُناهضة للمؤسسة ودعمه القوي لإسرائيل
|