ستمر فصول اختطاف الفتيات والنساء في وسط صمت حكومي غير مفهوم، حيث يندر منذ انطلاق أحداث الساحل قبل شهر ونصف من اليوم، أن يمر يوم من دون الإعلان عن اسم جديد لسيدة أو فتاة تم اختطافها، لتنقطع أخبار معظمهن، إلا في حالات نادرة شهدت إعادة بعض المختطفات بعد أن تعرضن للضرب والإهانة، وفقًا لشهادات مقربين من هؤلاء الفتيات.
اختطاف "غير مكتمل"
آخر حالة سجلت كانت يوم السبت، عندما جرت محاولة اختطاف الفتاة "سارة سعد الدين" (14 عامًا)، وهي طالبة في المرحلة الإعدادية، من شارع غسان حرفوش في مدينة اللاذقية، عن طريق مجهولَين كانا يستقلان سيارة (نوع فان - أسود)، حيث أقدم الخاطفان على سحب الفتاة فور خروجها من المعهد ولاذا بالفرار إلى جهة مجهولة.
أحد أقرباء الفتاة قال لـ"إرم نيوز"، إن تدخل الأهالي وعناصر من الأمن العام، وملاحقتهم للفان المشتبه به، دفع الخاطفين بعد نحو 10 دقائق من المطاردة، إلى رمي الفتاة في أحراش منطقة "دمسرخو" والفرار إلى جهة مجهولة، فيما ما زالت الفتاة تحت هول الصدمة والرعب
ناجيتان من الاختطاف
العديد من الشهادات حصل عليها "إرم نيوز" لسوريات خُطفن في الساحل السوري، معظمهن تم اختطافهن في وضح النهار.
(لما) اسم مستعار لفتاة اخُطفت من ساحة عامّة في إحدى قرى الساحل، وجدت نفسها في "فان" أيضًا، على مسافة قريبة من مكان اختطافها، كون السيّارة لم تقف على أي حاجز، ثم رُميت في غرفة في منزل مع فتاة أخرى كانت مخطوفة قبلها.
رفضت الفتاة الحديث عن تجربتها "القاسية" خوفًا من إعادة اختطافها، لكن قريبتها وصديقتها قالت لـ"إرم نيوز"، إن الضحية تعرضت للتعذيب والضرب والتحرش، ولم يكن مسموحًا لها أن تتحدّث مع الفتاة المخطوفة الأخرى. وتنقل عنها أنها سمعت لهجة الخاطفين، أحدهم أجنبي والآخر تحدث بلهجته "إدلبية"، وأبلغت ذويها أنها عرفت ذلك لأنهم كانوا يشتمونهما لأنهما علويتان".
آية طلال قاسم، شابة أخرى شغلت الرأي العام في الأيام القليلة الماضية، منذ نشرت عائلتها يوم الخميس فيديو يوثق صراخها في مكالمة هاتفية بينهم وبين خاطفيها الذين اكتفوا بالصمت المطبق رغم توسلات العائلة لمعرفة أي شيء عنها وإقناعهم بإعادتها، ازداد المشهد إيلامًا مع ظهور طفلتها في الفيديو وهي تستمع لصراخ والدتها وتبادلها بالبكاء.
وقال والد "آية"، حينها إنها تبلغ من العمر 23 عامًا لديها طفلة وهي منفصلة عن زوجها، كانت في طريقها من منزلها في "دوار الفقاسة" بطرطوس إلى دائرة الامتحانات يوم الأربعاء الماضي، لإحضار بطاقة امتحان الثانوية "الحرة"، لكن الاتصال انقطع معها بعد 10 دقائق فقط من خروجها من منزلها.
حاولت العائلة التواصل مع "آية"، لكن خطها كان مغلقًا، ليفتح بحدود الثانية ظهرًا لكن دون رد، حيث تعتقد عائلتها أن الخاطفين كانوا يفصلون المكالمة.
بعد ثلاثة أيام من الاختطاف، عادت آية إلى منزل ذويها، حيث أحضرتها الشرطة بحضور أهلها عن أحد الأوتستراد بعد أن تركها الخاطفون هناك، لكن دون أي توضيح للرأي العام، فهل تمت عملية تحرير الشابة المختطفة من قبل قوات الأمن؟ هل ألقي القبض على الخاطفين؟ من هم وأين كانوا وكيف قاموا بفعلتهم في وضح النهار؟
المختطفات بالعشرات
سبقت قصة آية، حادثة اختطاف لم تنتهِ نفس النهاية السعيدة لآية. تم اختطاف السيدة "بشرى مفرج" نهاية مارس آذار الفائت، وقال زوجها حينها إنها كانت في طريقها إلى مدينة جبلة لكي تجري معاملة نقل مدرسة ابنتهما من مدينة جبلة إلى قريتهم "القلايع" مضيفًا أن آخر مكان شوهدت فيه كان كراج جبلة في الساعة التاسعة صباحًا من يوم 23 مارس آذار الماضي.
وتعد حادثة اختطاف بشرى، واحدة من بين عشرات الحالات التي لم يُعرف مصير ضحاياها حتى اللحظة، وسط عجز الجهات المعنية عن منع تكرارها أو حتى تقديم رواية رسمية حول ما يجري؛ ما يضاعف الشعور بالقلق العام ويعزز الشعور بالعجز لدى الأهالي.
"المرصد السوري لحقوق الإنسان" كشف، أمس، أن مصير خمسين سيدة من الطائفة العلوية لا يزال مجهولًا، بعد اختفائهن في ظروف غامضة منذ بداية العام الجاري، في سلسلة حوادث متفرقة شهدتها عدة محافظات سورية، من بينها حمص، طرطوس، اللاذقية، وحماة.
وأضاف أن حالات الاختفاء التي تتخذ طابعًا ممنهجًا أثارت مخاوف واسعة، خصوصًا في ظل تصاعد أعمال العنف والجريمة، وتنامي ظاهرة الإفلات من العقاب.
وبحسب ما وثقه المرصد، تعرّضت النساء للاختطاف في ظروف مختلفة؛ بعضهن فقدن داخل منازلهن أثناء أحداث العنف التي ضربت الساحل السوري في شهر مارس آذار الماضي، وأخريات أثناء خروجهن لأعمالهن أو تنقلهن اليومي، دون أي تبنٍّ رسمي أو غير رسمي لتلك العمليات، ودون أن تُعرف الجهة المسؤولة عن اختفائهن حتى اللحظة.
كسر حاجز الصمت
لم يستمر الصمت طويلًا، على الأقل من قبل ناشطين وحقوقيين، حيث كسرت الناشطة النسوية السورية هبة عز الدين، وهي مديرة منظمة "عدل وتمكين" في شمال سوريا، الصمت، أول أمس، وأشعلت جدلًا واسعًا في سوريا، بعد أن كتبت منشورًا على حسابها في "فيسبوك" تحدثت فيه عن مشاهدتها لـ"سيدة غريبة عن إدلب ترافق أحد المقاتلين"، وقالت إن هذه السيدة علوية وقد تم إحضارها من إحدى قرى الساحل السوري بعد الأحداث الأخيرة هناك. وذكرت أنها تعرف المقاتل الذي "تزوجها".
عز الدين لمّحت بشكل غير مباشر إلى أن ظاهرة "سبي العلويات" موجودة بالفعل. وكتبت أنها في آخر زياراتها إلى إدلب، كانت في زيارة لأحد الأماكن مع شقيقها، وقد التقيا صدفة بشخص يعرفانه، وهو متزوج عدة مرات سابقًا ولديه ثلاث نساء حاليًا. وأضافت "كانت معه سيدة أراها لأول مرة. لفت نظري شكل السيدة، خصوصًا أن من الواضح عدم معرفتها بارتداء الحجاب، حيث لفّت الشال بشكل اعتباطي".
وتقول الناشطة النسوية "سألت عن القصة، وعرفت أن هذه الصبية من قرى الساحل التي شهدت المجازر في الشهر الفائت، وقد أحضرها الشاب إلى قريته وتزوجها، دون أي تفاصيل تذكر". وتضيف بأن "لا أحد يعرف ما حصل مع السيدة، و لا كيف جاءت، ومن الطبيعي أن الصبية لا تجرؤ على الكلام".
وبما أن الحادثة أثارت فضول الناشطة؛ "لأنها المرة الأولى التي أرى فيها سيدة من الساحل متزوجة في قرى إدلب"، تقول الناشطة "بدأت بالسؤال والبحث، وتحدثت إلى ثوار وفصائل وحقوقيين عن موضوع خطف نساء من الساحل، وللأسف؛ الكثير منهم أكدوا لي أن الخطف حصل بالفعل، ومن قبل فصائل متعددة، وتركزت أصابع الاتهام على فصائل "الجيش الوطني" التابع لتركيا، ولبعض المقاتلين الأجانب، مع اختلاف الدوافع" وفقًا لشهادة عز الدين.
وطالبت مديرة منظمة "عدل وتمكين"، الحكومة السورية بالكشف عن مصير هؤلاء النساء وإطلاق سراحهن فورًا، واعتبرت أن هذا الملف "خطير ولا يجب السكوت عنه".
هجوم عنيف
عقب هذه الشهادة، تعرضت الناشطة هبة عز الدين إلى هجوم واسع من قبل الناشطين "الثوريين"وداعمي الحكومة السورية، معتبرين بأنها تشوه سمعة الحكومة والثورة، لتبدأ بعدها حملة تلفيق ممنهجة ضدها، حيث تم اتهامها بأنها "عميلة" لنظام بشار الأسد، وأنها تعاملت بعنصرية ضد النساء المنقبات في مشاريع المنظمة التي تديرها في شمال سوريا، لتخرج من جديد وتفند تلك الاتهامات، وتجدد مطالبتها في التحقيق بالموضوع.
التوجه الذي اتبعته عز الدين، والذي يتضمن اتهامات مباشرة بـ " اختطاف نساء علويات"، كانت قد سبقتها إليه ابنة السويداء، المهندسة غادة الشعراني، وأثارته خلال حديثها قبل أسبوعين أمام محافظ السويداء عن وجود نساء "علويات" في سجون إدلب، وبعضهن برفقة أطفال بعمر سنة ونصف السنة، ما يعني أنه تم اغتصابهن داخل أماكن احتجازهن وأنجبن أطفالًا داخل المعتقلات التابعة لهيئة تحرير الشام في إدلب.
وعلى رغم إعلان انتهاء "العملية العسكرية" في الساحل، وإعلان السلطة الجديدة في سوريا تشكيل لجنة تقصّي الحقائق، وتمديد عملها، استمرّت عمليات القتل التي أدانتها "هيومان رايتس واتش" بوصفها "فظائع"، ووصفتها "أمنيستي" بـ"عمليات القتل الجماعي"، وأيضًا تصاعدت عمليات الخطف، وخاصة بحق النساء، ومن مختلف الأعمار، دون أي ردة فعل حكومية حتى هذه اللحظة.
جرائم ممنهجة.. ودعوات لليقظة
الناشط السياسي، والعضو في الحزب الدستوري السوري، عمار صالح قال في تصريحات لـ"إرم نيوز"، إن أغلب مخطوفي الساحل الذين عادوا إلى أهلهم، لم يعودوا إلا بعد أن قام أهل كل مختطف بدفع فدية مالية بالتنسيق مع سلطة الأمن العام أو قادة منهم أو شخصيات من قِبلهم، والمبالغ التي دُفعت لعودة هؤلاء المخطوفين بدأت من مئة مليون ليرة (10000$ فما فوق).
وأضاف: "يوميًا تجرى في الساحل ومحيطه جرائم قتل واختطاف لنساء وشبان وتهجير وسرقات واستيلاء على منازل وتعفيش لمنازل أخرى واعتقالات بقصد الابتزاز المالي".
ودعا صالح أهالي الساحل إلى الحذر واليقظة في هذه الأوقات الصعبة، محذرًا من أن "من يتصرّف وكأن الأوضاع طبيعية يدفع ثمن سذاجته، سواء من الأهل أو الأبناء، ومن يروّج بأن الحياة طبيعية هو شريك مباشر في الجرائم التي تحصل".
وخاطب الصالح الأهالي قائلًا بأن "هذه الأوقات ليست للحياة، وإنما هي فترة للنجاة من الموت إن أردنا الحياة".
ما حقيقة عمليات "السبي"؟
بسبب التعتيم الإعلامي، ومنع الصحافة من العمل في مناطق الساحل منذ بدء أعمال العنف في بداية شهر مارس آذار الماضي، وبسبب قلق الأهل من الحديث علنًا، تسود الشائعات والأقاويل، أبرزها تربط الخطف المتكرر لفتيات ونساء علويات بـ"السبي"، وهو انتهاك خطير سبق أن مارسه تنظيم "داعش" خلال فترة سيطرته في العراق وسوريا، وتم بموجبه خطف نساء كثيرات وسبيهن، خصوصًا من الأقلية الأيزيدية التي لا يزال مئات من ضحاياها من النساء مفقودات.
كما يذكّر البعض بتجربة "أقفاص النساء" في مدينة دوما بريف دمشق، التي اعتمدها تشكيل إسلامي متشدد بحق نساء علويات، لكن كثيرين يربطون هذه الممارسة بهدف الضغط على نظام الأسد "حينها" للقيام بعمليات تبادل بالسجينات أو السجناء مع النظام، علمًا أن هؤلاء النساء اختفين ولم تظهرن منذ ذلك الوقت.
أخبار ذات علاقة
لكن "هيئة تحرير الشام" التي تشكل نواة وزارة الدفاع الحالية،"لم يُسجل خلال حكمها، حالات سبي للنساء، رغم تشددها وفرضها أسلوب عيش متشدد وصل أحيانًا حد إعدام النساء علنًا"، وفقًا لمتخصصين في الجماعات الإسلامية.
أما حالات الاختطاف اليوم فلا شيء واضح ومؤكد حول أهدافها ودوافعها، لكن ما يؤجج المخاوف والغضب، هو الصمت المطبق من قبل السلطات التي لم تحرك ساكنًا في هذا الملف الخطير الذي يبدو كجمر تحت رماد البلاد
|