قاسم الغراوي ||
كاتب وصحفي
الإمام الحسن بن علي (عليه السلام) في ذكرى استشهاده؛
في السابع من شهر صفر، تُستعاد ذكرى أليمة في تاريخ الإسلام، ذكرى استشهاد السبط الأول، وسيد شباب أهل الجنة، الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الذي ظل مظلومًا في حياته وبعد استشهاده، وسعى أعداؤه آنذاك – ولا يزال البعض – لتشويه صورته، وطمس عظمة مواقفه، وتجاهل بصيرته السياسية التي أنقذت الأمة من فتنة كبرى.
وُلد الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) في المدينة المنورة، ليلة النصف من شهر رمضان المبارك، سنة 3 للهجرة (626 م)، في بيت النبوة والرسالة، بيت الطهر والولاية، لأبوين طاهرين: الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وفاطمة الزهراء بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله). فكان أول حفيد لرسول الله، وقرّة عينه، وبضعةً منه، كما قال فيه النبي (ص):
“أما الحسن فإنه ابني وولدي وبضعة مني، وقرّة عيني، وضياء قلبي، وثمرة فؤادي، وهو سيد شباب أهل الجنة”.
عُرف الإمام الحسن بلقب “كريم أهل البيت” لكثرة عطائه وجوده، فقد كان إذا أعطى لا يُمسك، وإذا أُهين عفا، وإذا جُرح صبر، وإن أُغضب كظم، حتى قيل فيه: “كان لا يردّ سائلاً، ولا يضرب عبداً، ولا يجفو فقيراً”. وكان شبيه رسول الله (ص) في خَلقه وخُلقه، كما شهد بذلك الصحابة.
تسلّم الإمام الحسن (عليه السلام) زمام الإمامة بعد استشهاد والده أمير المؤمنين (عليه السلام) سنة 40 للهجرة، وكان عمره آنذاك 37 عامًا. وبعد ستة أشهر فقط، اضطر إلى الصلح مع معاوية بن أبي سفيان، حقنًا لدماء المسلمين، في موقف عظيم، اتُّهم فيه بالضعف والخنوع، بينما كان يحمل بُعد نظرٍ سياسيّ قلّ نظيره.
إن صلح الإمام الحسن لم يكن ضعفًا ولا تنازلًا، بل كان موقفًا شجاعًا لإيقاف نزيف الدم، في زمنٍ استشرى فيه النفاق، وتآمر فيه من داخل البيت الإسلامي من أجل السلطة والجاه. وقد قال (عليه السلام):
“إني لم أسلّم الأمر لمعاوية إلّا أني لم أجد أنصارًا، ولو وجدت أنصارًا لقاتلته ليلًا ونهارًا، حتى يحكم الله بيني وبينه”.
استُشهد الإمام الحسن (عليه السلام) مسمومًا على يد زوجته جعدة بنت الأشعث بتحريض من معاوية، وذلك في المدينة المنورة، في السابع من صفر سنة 50 للهجرة، وقد نكث معاوية بعهده في بنود الصلح، ومنع دفن الإمام بجوار جده المصطفى (ص)، فدُفن في البقيع، مظلومًا كما عاش.
حتى يومنا هذا، لم ينصف التاريخ الإمام الحسن كما ينبغي. فبينما تُسطَّر الملاحم في الشجاعة لأخيه الحسين (عليه السلام) – وهو أهل لها – يُغفل صبر الحسن وحكمته التي أنقذت الإسلام من حرب أهلية طاحنة.
شهر صفر، كما يسميه المحبون، “شهر الأحزان”، لما حوى من مصائب آل محمد (ص): فيه وفاة النبي الأكرم (ص)، واستشهاد الإمام الحسن المجتبى، واستشهاد الإمام الرضا (ع)، وكذلك أربعينية الإمام الحسين (ع). وفي هذه الأيام، يُستحسن للمؤمنين استذكار السيرة العطرة للإمام الحسن (ع) وإحياء مظلوميته، والتأمل في نهجه، وتفكيك أبعاده الإنسانية والإصلاحية والسياسية.
الإمام الحسن (عليه السلام) هو تجسيد للرحمة الإلهية، والحكمة الربانية، والصبر الجميل. مثّل بوجوده وصبره وسموّ خلقه مدرسة في الأخلاق والسياسة والبصيرة. وفي ذكرى استشهاده، لا بد من تجديد الولاء له، والسير على هديه، ونشر مظلوميته التي لا تزال مستمرة في طيّات التاريخ المنسي
|