قاسم الغراوي ||
كاتب وصحفي
في خطوة غير مسبوقة تعكس عمق التأثير الإنساني لثورة الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام)، ناقش مجلس النواب الكندي مؤخرًا مناسبة أربعينية الإمام الحسين، وأشاد عدد من النواب الكنديين بهذه الثورة الخالدة التي مضى عليها أكثر من 1400 عام، معتبرين أنها تمثل أنموذجًا خالدًا للتضحية من أجل العدالة، ورفضًا للطغيان، وانحيازًا مطلقًا للحق والكرامة الإنسانية.
الحسين (ع): من كربلاء إلى قاعات البرلمان
أن تصل أصداء كربلاء إلى واحدة من أرقى البرلمانات الغربية، فذلك ليس أمرًا عابرًا أو محض مجاملة للجاليات المسلمة في المهجر، بل هو اعتراف عميق بأن ملحمة عاشوراء تجاوزت الزمان والمكان لتصبح قضية إنسانية بامتياز. فقد وقف عدد من النواب الكنديين في الجلسة ليؤكدوا أن الإمام الحسين يمثل رمزًا عالميًا للحرية، وأن ذكراه تحيي في النفوس الأمل بمستقبل تسود فيه القيم الأخلاقية النبيلة.
لقد تم وصف أربعينية الإمام الحسين، التي تُعد من أكبر التجمعات البشرية في العالم، بأنها رسالة محبة وسلام ووفاء للمبادئ التي ضحى من أجلها سيد الشهداء. وأعرب النواب عن تقديرهم للملايين من الزائرين الذين يقطعون المسافات الطويلة سيرًا على الأقدام، تعبيرًا عن الولاء لمبادئ الإمام، في مشهد يجمع بين الروحانية والانضباط والتفاني.
لماذا تهتم النخب الغربية بثورة الحسين؟
السؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي يدفع البرلمانات والنخب الغربية، بل وحتى بعض المفكرين والفلاسفة، إلى الاحتفاء بثورة وقعت في قلب الصحراء قبل أكثر من ألف عام؟ الجواب يكمن في الرسالة العالمية للثورة الحسينية. فالإمام الحسين لم يخرج من أجل سلطة أو جاه، بل خرج «لطلب الإصلاح في أمة جده»، رافعًا شعار “هيهات منا الذلة”، ليقدم بذلك درسًا خالدًا في الشجاعة الأخلاقية والثبات أمام الانحراف السياسي والديني.
لقد وجد المفكرون الغربيون، مثل المهاتما غاندي وتوماس كارلايل، في الحسين مصدر إلهام روحي وأخلاقي. فغاندي قالها بوضوح: “تعلمت من الحسين كيف أكون مظلومًا فأنتصر”. وهذا هو جوهر التأثير الحسيني في العقل الغربي: الانتصار المعنوي للمظلوم على الظالم، والتضحية من أجل المبادئ لا المصالح.
تأثير الثورة الحسينية في العقل الغربي
أولًا: في الفكر السياسي والأخلاقي
الثورة الحسينية ألهبت خيال النخبة المثقفة، وأعادت طرح أسئلة جوهرية حول معنى العدالة، ومشروعية السلطة، وحدود الطاعة السياسية. لقد تحولت كربلاء إلى مختبر أخلاقي لفحص مواقف الشعوب والقادة من القيم.
ثانيًا: في وجدان الشعوب
الملايين من غير المسلمين حول العالم، حين يطّلعون على قصة الحسين، يجدون فيها امتدادًا لقيم عالمية كالحرية والكرامة، ويقارنونها بثوراتهم وحركاتهم التحررية، ويستلهمون منها نموذجًا نقيًا للثورة الأخلاقية.
ثالثًا: في الخطاب الدبلوماسي والثقافي
أصبح ذكر الإمام الحسين يحضر في مناسبات دولية ثقافية وإنسانية، وبدأت الكثير من العواصم الغربية تشهد فعاليات سنوية في ذكرى عاشوراء والأربعين، تقيمها جاليات مسلمة ومراكز بحثية، بحضور مسؤولين وأكاديميين غربيين.
إن إشادة مجلس النواب الكندي بأربعينية الإمام الحسين ليست مجرد لفتة رمزية، بل هي جزء من مسار متصاعد من الاعتراف العالمي بقيم عاشوراء كمنظومة أخلاقية يمكن أن تسهم في إصلاح المجتمعات المعاصرة، وتهذيب السلطة، وتعزيز العدالة. وفي زمنٍ تتآكل فيه القيم أمام سطوة المصالح، تبقى كربلاء منارة تُنير الطريق لمن أراد أن يحيا كريمًا أو يموت عزيزًا .
|