بقلم: طوفان الجنيد.
تمهيد:
في زمن الطوفان الذي غيّر المعادلات، لم تكن عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023 مجرّد عملية عسكرية تقليدية، بل كانت زلزالًا استراتيجيًّا قلب موازين القوى في المنطقة، وأعاد تشكيل الوعي الجمعي للأمة العربية والإسلامية. ورافق هذا الطوفان العسكري، طوفانٌ آخر لا يقل عنه تأثيرًا وهو طوفان القلم المقاوم، الذي حوّل الكلمة إلى سلاحٍ يعادل في تأثيره الرصاصة والصاروخ.
هاتان المحطتان أصبحتا منابع يتزوّد منها التاريخ المقاوم، وتشكلان معًا وجهي عملة واحدة: عملة التحرير والمقاومة.
طوفان الأقصى:
ها نحن على مقربة من الذكرى الثانية لطوفان الأقصى، ذلك الزلزال الذي هزّ أركان المحتل، نتيجة تراكم الظلم والإجرام الصهيوني في فلسطين وشعبها، والانتهاكات الإسرائيلية المتصاعدة ضد الشعب الفلسطيني، خاصة في المسجد الأقصى والقدس. والحصار الخانق الذي يعاني منه الفلسطينيون في قطاع غزة وباقي المغتصبات على مدى سبعة عقود، ومنع تدفّق الغذاء والماء والكهرباء، جعل الحياة جحيمًا لا يُطاق.
الأبعاد الاستراتيجية والعسكرية لطوفان الأقصى:
لقد كانت المفاجأة الاستخباراتية الكبيرة التي قام بها رجال المقاومة، فنجحت عملية طوفان الأقصى في تحقيق أهدافها، وكانت صدمةً كبرى للأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية والأمريكية. إذ عبر المقاومون السياج الأمني الذكي بأبسط الوسائل، عبر تكتيكات مبتكرة استخدموا فيها الطائرات الشراعية، والدراجات النارية، والسيارات رباعية الدفع لاقتحام المستوطنات المحيطة بغزة، مستهدفين البؤر الاستيطانية والمواقع العسكرية.
إسقاط نظرية الردع الإسرائيلية:
لقد أسقط الطوفان المقاوم أسطورة "قوة الردع" و"الجيش الذي لا يُقهر" التي بُنيت عليها دولة الاحتلال منذ تأسيسها. ففي السابع من أكتوبر الخالد 2023، شهد العالم عمليةً أبهرت الشعوب، وذاق منها العدو الويلات والانهيار النفسي والعسكري.
ردود فعل دولية:
أدّت العملية إلى كشف حقيقة الدعم الغربي لإسرائيل، خاصة من الولايات المتحدة وألمانيا والمملكة المتحدة وفرنسا.
طوفان القلم المقاوم ومفهومه:
عندما تكون الكلمة لا تقل شأنًا عن السلاح العسكري، هنا يتجذّر ويعلو دور الرجال المقاومين والقادة الفاتحين. ومن أمثال هؤلاء المجاهدين الصادقين الكاتب والمحلل السياسي عدنان عبدالله الجنيد، الذي رافق طوفان الأقصى وسار معه جنبًا إلى جنب بجهاد الكلمة وصاروخ القلم، وما زال إلى اليوم مع باقي أحرار اليمن وقيادته الربانية وعمليات الدعم والإسناد اليمني.
وقد أصدر كتابًا أسماه طوفان القلم المقاوم، ويُعدّ إحدى الجبهات المتقدمة من جبهات محور المقاومة الممتدة من اليمن إلى غزة، ومن الجنوب اللبناني إلى كل أرضٍ ترفض الخنوع والاستكبار. ليس في الميدان العسكري فقط، بل على جبهة الوعي أولًا؛ معتبرًا أن الكلمة الحرة ليست أقل شأنًا من الصاروخ في معركة التحرير، وفي إبراز معادلة الردع الإعلامية التي أسقطت الهيمنة الصهيونية والأمريكية في حرب الروايات المزيفة.
ويؤكّد المؤلف في كتابه على "فضح الرواية المزيفة للعدو التي يحاول تمريرها، وتوثيق وقائع الصمود والاستبسال ضد المحتل الصهيوني المجرم". وقد تضمّن الكتاب جميع الوقائع ومسارات التصعيد العسكري للقوات المسلحة اليمنية في البحر والمندب والبر والجو وفي عمق الكيان، في خمسة أبواب متكاملة:
1- معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس نصرةً لغزة: يوثق دور اليمن في الإسناد العسكري والبحري والإعلامي.
2- محور الجهاد والمقاومة: مقالات جهادية وفكرية تحلّل خطابات القادة وتكشف دور حزب الله وباقي محور المقاومة في الدعم والإسناد.
3- شهداء على طريق القدس: توثيق سِيَر القادة والشهداء، من الحاج قاسم سليماني إلى أبطال طوفان الأقصى.
4- مواجهة العدوان الصهيوأمريكي على اليمن: تحليل الدور الإعلامي والسياسي لليمن في كسر الحصار.
5- التوثيق والتكريم: رسائل شكر، ودروع، وتغطيات إعلامية.
التكامل بين الطوفانين:
إنه تكامل السلاح والكلمة، ووحدة الهدف والغاية: التحرير واستعادة الحق.
يسعى الطوفان العسكري إلى تحرير الأرض، بينما يسعى طوفان القلم إلى تحرير العقل. وكلاهما يعمل ضمن استراتيجية متكاملة لاستعادة الحق الفلسطيني وكسر الهيمنة؛ إذ يعمل الطوفان العسكري على كسر الهيمنة الاحتلالية، فيما يعمل طوفان القلم المقاوم على كسر الهيمنة الثقافية وتفنيد الأباطيل وفضح جرائم العدو.
الخاتمة:
ها هي الأمة تقف على صرحين شامخين وتعيش زمن الطوفان: طوفان الأقصى بالسلاح، وطوفان القلم بالكلمة. محطتان تاريخيتان يتزوّد منهما التاريخ المقاوم، لا لتغذية الصراع، بل لتحقيق التحرير والعدالة.
وها هي المقاومة تثبت مرة أخرى أنها ظاهرة متعددة الأوجه لا تقتصر على السلاح فقط، بل تمتد إلى الفكر والقلم والرواية. لقد أصبح طوفان الأقصى وطوفان القلم رمزين لاستمرار المقاومة، ويؤكدان أن الأمة قادرة على إنتاج أدواتها في كل المجالات، وأن الكلمة والسلاح وجهان لعملة واحدة في معركة التحرير.
وستظل هاتان المحطتان منبعين ينهل منهما الأجيال القادمة دروسًا في الصمود والكبرياء والانتماء.
|