في مشهد غير متوقع داخل أروقة القضاء الأميركي، افتتحت المحكمة الفيدرالية في واشنطن إحدى جلساتها بجملة صادمة: "إمبراطورية فساد وجريمة منظمة يقودها آل بارزاني". لم تكن مجرد عبارة افتتاحية، بل كانت بمثابة زلزال سياسي يهز صورة العائلة الكردية التي لطالما وُصفت بأنها الشريك الأوثق للغرب في إقليم كردستان العراق.
فمنذ عقود، حافظ آل بارزاني على علاقات استراتيجية متينة مع واشنطن، واحتلوا مكانة شبه ثابتة في خريطة الحلفاء الأميركيين في العراق والمنطقة. لكن الآن، يبدو أن هذه الصورة تنهار تدريجياً مع دخول القضية طوراً قضائياً علنياً، يُطالب فيه بتعويضات تصل إلى تسعة مليارات دولار، ويفتح الباب أمام محاكمة سياسية وأخلاقية شاملة.
المثير في القضية أن الاتهامات لا تقف عند حدود الفساد المالي أو التربح من السلطة، بل تمتد إلى توصيف خطير لعائلة بارزاني كـ"مؤسسة إجرامية عابرة للحدود"، وهو توصيف يُمكن أن يُفعّل قوانين دولية تخص مكافحة الإرهاب وغسيل الأموال.
في قلب الملف، وردت أسماء مسعود بارزاني، الزعيم الكردي المعروف، ونجله مسرور بارزاني، رئيس حكومة الإقليم الحالي، ما يضع القيادة الكردية في موقف قانوني وأخلاقي بالغ التعقيد.
الوثائق، التي تجاوزت 300 صفحة، لا تكتفي بعرض شبهات فساد، بل تشمل مزاعم بجرائم حرب ضد الإيزيديين، عمليات تهجير قسري، وتعاونات مع تنظيمات مسلحة، إلى جانب شبكة من الصفقات المشبوهة، وغسيل الأموال، وتهريب المخدرات.
أما الأبعاد السياسية، فتمتد إلى واشنطن نفسها. إذ تشير بعض الأدلة إلى تورط شخصيات أميركية نافذة، إما بغضّ الطرف عن هذه الأنشطة، أو بتسهيلها ضمن ترتيبات التحالف الطويل مع الحزب الديمقراطي الكردستاني.
هذه القضية لا تبدو محصورة بإقليم كردستان، بل قد تكون مقدمة لإعادة رسم التحالفات الأميركية في العراق والمنطقة. كما أنها تضع إدارة البيت الأبيض أمام اختبار حقيقي لمبادئها المُعلنة حول الديمقراطية وحقوق الإنسان، لا سيما عندما تكون الانتهاكات صادرة عن حلفاء تقليديين.
في النهاية، لم تعد القصة مجرد خلافات داخلية في كردستان، بل تحوّلت إلى قضية رمزية كبرى، تُحاكم فيها منظومة من السلطة، وتُعيد طرح سؤال قديم جديد:إلى أي مدى يمكن للولايات المتحدة أن تساوم على المبادئ من أجل التحالفات؟
المصدر:وكالات
|