
كاظم الطائي
في تصعيد غير مسبوق في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، اتخذت بكين خطوة حاسمة بوقف تصدير سبعة من المعادن الأرضية النادرة، في إجراء يبدو محسوبًا لإحداث صدمة في قلب الصناعات الأميركية. هذه الخطوة ليست مجرد رد اقتصادي، بل رسالة سياسية تُبرز هشاشة السياسات الأميركية وتعيد تشكيل موازين القوى في عالم مضطرب وسريع التغير.
من خلال الرئيس دونالد ترامب، تبنت واشنطن سياسة المواجهة المباشرة مع الصين عبر فرض رسوم جمركية ضخمة، معتقدة أن الضغط الاقتصادي سيجبر بكين على التنازل. لكن غاب عن الإدارة الأميركية أن الصين تُمسك بخيوط أساسية في الاقتصاد العالمي، خصوصًا في سلاسل التوريد والتصنيع. ومن دون بدائل حقيقية، أصبحت الولايات المتحدة رهينة قرارات صينية، بينما فشلت الرسوم في تحقيق أهدافها، ولم تُستثمر عائداتها في تقوية البنية الصناعية الأميركية كما كان يُفترض.
الصين، التي تملك أكثر من 80% من القدرة العالمية على معالجة العناصر الأرضية النادرة، استخدمت هذه الورقة في التوقيت المثالي. هذه العناصر مثل الساماريوم والديسبروسيوم والتيربيوم تُعد مكونات حيوية في الصناعات الدفاعية، التكنولوجيا الحديثة، الطاقات المتجددة، والمجال الطبي. وقف التصدير يعني تعطيل خطوط إنتاج أميركية، ورفع تكلفة التصنيع، وربما إضعاف القدرة التنافسية الأميركية لسنوات مقبلة.
في ميزان القوى، تبرز الصين بوضوح كطرف أكثر تنظيمًا ومرونة. تسيطر على سلاسل التوريد، تتخذ قرارات مركزية بسرعة، وتملك أسواقًا بديلة في آسيا وأفريقيا، إلى جانب تفوقها في مجالات الطاقة الخضراء والتكنولوجيا. في المقابل، تعاني الولايات المتحدة من انقسام سياسي داخلي يُضعف صناعة القرار، واعتماد مفرط على الخارج، إضافة إلى ضعف نسبي في البنية الصناعية وتناقضات مستمرة في السياسة الخارجية من إدارة إلى أخرى.
وسط هذه المعركة، تلوح المفاوضات النووية – سواء مع إيران أو كوريا الشمالية – كفرصة قد تمنح واشنطن مكاسب مهمة. على المستوى السياسي، استعادة زمام المبادرة في ملفات دولية حساسة قد يعيد لواشنطن هيبتها كقوة دبلوماسية. وعلى المستوى الاقتصادي، فإن التوصل لاتفاقات يقلل من التوترات، يُنعش الأسواق، ويخفّض أسعار النفط والغاز، مما يصب في مصلحة الاقتصاد الأميركي ويمنح الشركات الأميركية فرصًا جديدة للتوسع.
لكن رغم ذلك، فإن معركة المعادن تكشف حقيقة صلبة: العالم يتغير، والصين تلعب وفق استراتيجية طويلة المدى. وإذا لم تتحرك الولايات المتحدة لإعادة بناء قدراتها الصناعية، وتحديث سياساتها الخارجية والداخلية، فإن هذه الخطوة الصينية قد لا تكون سوى البداية لتحول أعمق في موازين القوى الدولية.