
من الناحية الواقعية والسياسية في لبنان ، من الصعب جدًا أن يتمكن أعداء حزب الله في الداخل اللبناني من تجريده من سلاحه دون معادلات إقليمية ودولية كبرى.
حزب الله يُعدّ من أقوى التنظيمات المسلحة غير الرسمية في المنطقة، ويمتلك ترسانة متطورة نسبياً مقارنة بجيوش دول، وليس فقط جماعات لبنانية ، و لاعب سياسي قوي فهو جزء من البرلمان، والحكومات المتعاقبة، ولديه حلفاء داخل الدولة أبرزهم حركة امل وهذا يجعله جزءاً من الشرعية السياسية اللبنانية.
ولا يزال حزب الله يربط سلاحه بمشروع “المقاومة” ضد إسرائيل، ما يعطيه نوعاً من الشرعية في أعين جزء من اللبنانيين، وبعض القوى السياسية وهي الشرعية “المقاوماتية حيث يمتلك قاعدة شعبية كبيرة،وهذا يمنحه غطاءً شعبياً لا يستهان به.
و مدعوم بشكل كبير من إيران، ما يمنحه عمقاً استراتيجياً يصعب عزله أو الضغط عليه داخلياً فقط.
و الدولة اللبنانية نفسها تعاني من هشاشة مؤسساتية وانقسام سياسي وطائفي عميق، ما يجعل فرض أي قرار جذري مثل نزع سلاح الحزب مهمة شبه مستحيلة دون توافق وطني شامل وإرادة خارجية.
ولا يزال لبنان بلد طوائف و ليس بلد مواطنين متساويين (حتى اليوم) و حزب الله يمثل شريحة واسعة من الطائفة الشيعية، اللي تاريخياً شعرت بالتهميش، خصوصاً في مرحلة ما قبل الحرب الأهلية.فالسلاح بالنسبة للكثير من الشيعة ليس أداة مقاومة، بل أداة حماية وجود في بلد الطوائف ، لذلك، أي حديث عن نزع سلاح حزب الله يتم قراءته فوراً على أنه استهداف للطائفة، ما يؤدي لتصلب الموقف بدل الانفتاح و بالرجوع الى الماضي قليلا :
اتفاق الطائف (1989) حل كل الميليشيات اللبنانية، و استُثني حزب الله من هذا القرار بحكم أنه “مقاومة”.
اذن ما هي السيناريوهات الأكثر احتمالاً بالمستقبل القريب ؟ بحسب المعطيات الحالية داخلياً وخارجياً هي من الأكثر واقعية إلى الأقل احتمالاً:
السيناريو الأرجح حالياً هو
ان حزب الله يحتفظ بسلاحه و الدولة ستواصل ضعفها، والجيش بلا إمكانيات كافية للعب دور بديل ، و الحزب سيستمر بالمشاركة السياسية ويبرر السلاح بأنه لحماية لبنان من “العدو الإسرائيلي” أو “الإرهاب التكفيري” أو لضمان توازن داخلي. لماذا مرجّح؟
لأنه لا يوجد توافق داخلي ولا ضغط دولي حاسم حالياً.
وسيبقى الملف مؤجلا بانتظار تسوية إقليمية أكبر (خاصة مع إيران).
السناريو الحل الوسط
ضبط السلاح تحت مظلة الدولة (لا نزع كامل):
وهو سيناريو “حل وسط” إذا حصلت تسوية سياسية لبنانية – إيرانية – خليجية فان سلاح حزب الله يبقى لكن تُرسم له حدود فيُدمج جزء من قواته ضمن الجيش، ويبقى له جناح سياسي و يصبح القرار العسكري بيد الدولة شكلياً على الأقل.
و هذا يحتاج الى تفاهم وطني لبناني شامل و رغبة من إيران بتحويل الحزب إلى لاعب سياسي بحت و دعم دولي لإعادة بناء الدولة ومؤسساتها.
السناريو الاخطر :
تفكك داخلي أو صدام أهلي و هو سيناريو خطير، لكن محتمل في حال الانهيار الكامل للدولة اذ من الممكن ان ينشأ صدام مسلح بين الحزب ومجموعات أخرى (مثلاً في حال استفزازات داخلية، أو فرض وقائع بالقوة من قبل خصومه) أو يظهر نوع من الفدرالية المقنعة، وكل طائفة تُنظّم نفسها أمنياً (كما حصل خلال الحرب الأهلية).
هذا السيناريو ليس بالضرورة ان يكون صدام مباشر، قد يكون “تفكك ناعم”.
او
ضربة إسرائيلية أو حرب إقليمية تؤدي لتقويض سلاحه:
وهذا أقل احتمالاً، لكنه وارد في حال حرب شاملة (مثلاً بين إيران وإسرائيل)، وحزب الله تورّط فيها بشكل كبير، ممكن يُستهدف بشكل عنيف جداً وتُقوَّض قدرته العسكرية و بعد الحرب، قد يُفرض عليه نزع سلاح دولي، أو يُجبر على تغيير تموضعه بالكامل.
لكن هذا السيناريو مكلف جداً، وقد يؤدي لانهيار لبنان كلياً.
أقل السيناريوهات احتمالاً حالياً : يحصل فقط إذا تغيرت المعادلة الإقليمية كلياً، وسقط مبرر “المقاومة”، وتحولت إيران لدولة منفتحة على الغرب ، أو إذا قرر الحزب التحول لحزب سياسي صرف للحفاظ على نفسه على المدى البعيد.
في الختام :
السيناريو الأقرب:استمرار الوضع الحالي، مع محاولات لتجميله ضمن تفاهمات.
السيناريو الأخطر:صدام داخلي أو حرب إقليمية تجر البلد نحو تفكك.
و الحل الجذري الحقيقي: مرتبط بإعادة بناء الدولة وتفاهمات كبرى دولية – إقليمية.
و باختصار شامل:
نزع سلاح حزب الله ليس مجرد قرار سياسي، بل هو إعادة صياغة للنظام اللبناني من جذوره، وهذا الشي مرتبط بـ:
- بناء دولة قوية بمؤسسات موحدة ومواطنية وإلغاء الطائفية السياسية او تفاهم طائفي جديد.
والاهم هو بتوازن إقليمي مختلف (يعني تغيّر موقع إيران، اميركا والخليج و اسرائيل و روسيا و الصين ).