
إنتصار الماهود ||
هو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، أهل بيت النبوة وموضع الرسالة، سادس الأئمة المعصومين من ولد فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين.
لم يكن الامام جعفر الصادق عليه السلام رجل دين فحسب، بل كان رجل علم وسيد في القوة الناعمة التي تغلغلت في أركان دولة العباسيين لتقوضها
حقق الامام جعفر الصادق عليه السلام إنجازات مهمة نستطيع أن نوجزها:
أولا :
فكرية وعلمية حيث تمكن الإمام صلوات الله وسلامه عليه من تأسيس مدرسة فكرية كبرى في المدينة، ضمت الاف الطلاب منهم كبار علماء المذهب السني أبو حنيفة، ومؤسس المذهب المالكي مالك بن انس، أضافة لنشر علوم أهل البيت عليهم السلام في العقيدة والتفسير والفقه والأخلاق والطب، وكان له الدور الرئيس في صياغة الفكر الشيعي الامامي.
له موسوعات علمية حيث روي عنه آلاف الاحاديث، في مختلف العلوم وله باع في الطب والكيمياء والفلك والفيزياء.
ثانيا:
منجزات دينية لقد أرسل الامام عليه السلام الأسس القويمة لدعائم المذهب الجعفري، كذلك شرح مفاهيم التوحيد والإمامة، والمعاد والعدل الالهي والاهتمام بالعبادات، والمعاملات ووضع الأصول الفقهيه الواضحه لها.
ثالثا:
منجزاته السياسية فهو رفض المشاركة في الحكم العباسي، رغم المحاولاتهم لجذب إهتمامه عليه السلام الى صفوفهم، فهو كان يرى أنهم لا يمثلون الإسلام الحقيقي، هو لم يكن يقود الثورات، لكن كان يدعم مقاومة الظلم بالمعرفة والتربية والعلم، واستغل الفترة الانتقالية بين الأمويين والعباسيين، التي شهدت اضطراباً سياسياً، لينشر العلم والفكر دون الاصطدام بالسلطة.
لقد كان لدور الإمام عليه السلام تاثير بالغ، فهو لم يكن يحمل السلاح ضد العباسيين، لكن كان دوره في مقاومة انحرافهم السياسي والفكري بالغ العمق والأثر، فقد كانت مقاومته فكرية وتربوية ناعمة، لكنها قوية الجذور، هدفها الأول هو إحياء الإسلام المحمدي الأصيل، مقابل الإسلام السلطوي المزيف لآل العباس.
إليكم أبرز النقاط التي ركز عليها دور الإمام الصادق عليه السلام :
أولا
كشف زيف الشرعية الدينية للعباسيين، الذين تولوا سدة الحكم بشعار (الرضا من ال محمد)، ثم خانوا شعارهم حيث فضح الصادق عليه السلام هذا التناقض، عبر تعليمه للناس أن الإمامة ليست مجرد نسب، بل قيادة ربانية من أهم شروطها العلم والعصمة والعدل.
ثانياً
أسس الامام جعفر الصادق عليه السلام لمدرسة فكرية ضخمة، خرجت الآلاف من الطلاب الذين تشربوا العقيدة المحمدية الاصيلة، والذين صاروا جيشاً فكرياً صامتا، ينشر ويدافع ويفكر ويحاجج نيابة عن الإمام عليه السلام دون مصادمات مع جلاوزة السلطة.
ثالثاً
التفريق بين الدين الإلهي ودين السلطان، فالحاكم لا يشرع ولا يفسر الدين على هواه، بل يجب أن يخضع نفسه الى الشرع الحقيقي، الماخوذ من علم أهل البيت الموروثة من النبي صلى الله عليه واله وسلم.
رابعاً :
الحفاظ على كيان التشيع في زمن القمع العباسي، رغم خضوعه الى الإقامة الجبرية عدة مرات، أستمر في تعليم أصحابه سراً وعلانية، ونجح في تاهيل هوية التشيع، فكرياً وروحياً، إضافةالى مقاطعته للسلطة ورفضه التعاون معها.
خامساً :
تفكيك خطاب السلطة العباسي من خلال المناظرات، عبر إستخدام المنطق والقران الكريم والسنة النبوية، لإثبات رؤيته مما جعل الناس تشكك بالخطاب الرسمي للعباسيين.
سادساً :
البناء الصامت للمجتمع المقاوم عن طريق التحصين الفكري والتربوي ضد التذويب او التطبيع مع الظلم.
هل تعرفون أن جابر بن حيان عالم الكيميائي الشهير، هو أحد تلاميذ الامام جعفر الصادق عليه السلام ، وهو من خلصه !، لقد كان جابر بن حيان من أهم تلاميذ المقاومة الناعمة .من هو ؟؟
إسمه جابر بن حيان بن عبد الله الأزدي، الملقب بأبي الكيمياء، تتلمذ على يد الإمام جعفر الصادق عليه السلام مدة طويلة، وكان يلقبه بسيدي ومولاي، وكان يردد دائماً (علمني مولاي جعفر بن محمد علما لو اظهرته لقتلت وإن أخفيته ضعت وإن اشهرته لم يجد الناس عقولهم ).
لم ياخذ بن حيان منه أسرار الكيمياء فحسب، بل علوم الطبيعة وأسرار الخلق والتكوين وأصول التوحيد وحقائق الوجود.
أهم منجزات تلميذ الامام الصادق عليه السلام تأليف 300 كتاب أبرزها كتاب الرحمة والسبعين والخواص الكبرى وكتب في المعادن والطب والصيدلة.
دمج بن حيان بين العلم التجريبي والعلم الباطني وكان يرى الإنسان كائن كيميائي وروحي في نفس الوقت.
كان جابر بن حيان يستخدم العلم كسلاح ضد الجهل والسلطة، من خلالها بنى فكراً علمياً مستقلاً، عن فكر السلطة وقدم نموذجاً للعالم الذي يأخذ علمه من اهل البيت، لا من أبواب الخلفاء، بل إن أحد خلفاء بني العباس حاول التقرب منه ليستفيد من علمه، فرفضه وقال له:( علمي هذا ليس لمن يعبد السلطة بل لمن يعبد الحقيقة)
إضافة لإبن حيان كان للإمام عليه السلام تلاميذ نجباء امثال المفضل بن عمر حامل علوم النفس والروح وراوي (توحيد المفضل )
زرارة بن اعين وهو رائد الفقه والرواية
مؤمن الطاق وهو من أعمدة الجدل العقلي والمنطقي
هشام بن الحكم صاحب الحجة في المناظرات العقائدية في الإمامة والتوحيد
هؤلاء وغيرهم الآلاف كانوا مشروع مقاومة الإمام جعفر الصادق عليه السلام، الذي كان يجابه بهم الإنحراف الفكري السلوكي.
فالإمام عليه السلام لم يكن فقط عالماً، بل كان مهندساً حضارياً وقائداً للمقاومة الناعمة بامتياز، وقد سبق الزمن في وعيه وإستطاع اختراق المجتمع، وتصحيح بناءه، عن طريق العلم والفكر والثقافة والإقناع والقيم والتربية، بدلا من القوة الخشنة المتمثلة بالسلاح والسلطة.
عظم الله لنا ولكم الأجر في ذكرى إستشهاد إمامي وإمامكم الإمام جعفر الصادق عليه السلام.