الأحد 15 يونيو 2025

  • القسم الرئيسي : مقالات .
        • القسم الفرعي : المقالات .
              • الموضوع : الحزب الشيوعي العراقي وتحالف “البديل”: انزلاق في الهامش السياسي..! .

الحزب الشيوعي العراقي وتحالف “البديل”: انزلاق في الهامش السياسي..!

 

 

 

 

 

 

 

 

ناجي الغزي/ باحث سياسي واقتصادي

في المشهد العراقي المرتبك، تبرز بين الحين والآخر محاولات سياسية لتقديم بدائل تبدو، في ظاهرها، استجابة للانسداد السياسي، لكنها في العمق تعكس تخبطًا وتآكلًا في أدوات العمل السياسي، خصوصاً لدى القوى المدنية المتشظية. ومن بين هذه المحاولات، تحالف الحزب الشيوعي العراقي مع تكتل “البديل” ، في خطوة أثارت جدلاً واسعاً، بين المناضلين في مسيرة الحزب داخل وخارج العراق. ليس بسبب رئيس البديل المرشح الاسبق والحالم برئاسة الوزراء ، بل بسبب هشاشة التحالف الداعم له، ومواقف بعض القوى المنضوية فيه، وعلى رأسها الحزب الشيوعي العراقي.
والحزب الشيوعي العراقي منذ تأسيسه، شكّل أحد أقدم التيارات السياسية وأكثرها رسوخًا في الذاكرة الوطنية، بحضوره في الشارع، وبخطابه المتماسك القائم على العدالة الاجتماعية وصراع الطبقات. غير أن تاريخ الحزب، الذي خطه نضال طويل في وجه الاستبداد والتمييز الطبقي، بدأ في العقود الأخيرة يتعرض لتآكل تدريجي، ليس بفعل القمع وحده، بل عبر مسارات تحالفية أرهقته وجرّدته من وضوحه الأيديولوجي. وأحدث فصول هذا التآكل هو تحالفه الأخير ضمن تكتل “البديل”، الذي لا تربطه به أي خلفية فكرية أو مشروع تحولي مشترك.

تحالفات غير متجانسة: من الجبهة الوطنية إلى تحالفات ما بعد2003

لم يكن هذا الانزلاق حديث العهد. فمنذ تحالف الحزب مع حزب البعث في سبعينيات القرن الماضي ضمن ما عُرف بالجبهة الوطنية، بدأت أولى التجارب التي كشفت خطورة التحالف مع قوى تحمل مشاريع متناقضة. وقد دفع الحزب آنذاك ثمناً باهظًا عندما تم الانقلاب عليه من قبل البعث الساقط وقمع أعضائه وتعذيبهم وقتلهم، في درس تاريخي كان من المفترض أن يرسخ قاعدة راسخة: أن التحالفات لا تقوم على المصالح الظرفية فحسب، بل يجب أن تُبنى على قاعدة فكرية واستراتيجية مشتركة تحفظ للطرفين استقلالهما وهويتهما.
لكن الحزب، على ما يبدو، لم يتمسك بهذه القاعدة. فمنذ 2003، دخل في عدة تحالفات متضاربة الهوية، كانت أقرب إلى تسويات سياسية قصيرة المدى، لا تضمن له تأثيراً حقيقياً ولا تحفظ تاريخه النضالي. من التحالف المدني إلى تحالف “سائرون” مع التيار الصدري، ثم اليوم ضمن “البديل”، يجد الحزب نفسه مراراً إلى جانب قوى لا يجمعه بها مشروع فكري، بل فقط تقاطع لحظي في بعض الشعارات، أو تقارب ظاهري في المواقف من النظام السياسي القائم.
فالحزب الذي لطالما دافع عن مشروع التغيير الجذري، وجد نفسه في موقع الشريك في مبادرة تفتقر للوضوح السياسي، وتبدو أقرب إلى قفزة في الفراغ منها إلى خطة إنقاذ. هذا التناقض أوقع الحزب في مأزق تموضع صعب: بين شعاراته التاريخية التي ترفض المساومة، وخياراته السياسية الراهنة التي توحي بقبول منطق التسويات الهشة.
البعض رأى في هذا التموضع نوعاً من الانتحار الرمزي، حيث يتحول الحزب من فاعل مستقل إلى تابع في تحالف غير متماسك. وهو ما انعكس بوضوح في ردود أفعال قاعدته الشعبية، خصوصاً في الشتات، حيث عبّر العديد من الناشطين والكوادر السابقة عن خيبة أمل عميقة، محذرين من فقدان ما تبقى من الرصيد السياسي للحزب إذا ما استمر هذا المسار.

تحالف “البديل”: خطوة أخرى نحو التلاشي الرمزي؟

التحالف الأخير جاء في سياق إعلاني يحمل طابع “الإنقاذ”، عبر تقديم شخصية تنفيذية ذات طموح سياسي، ولكن دون ركيزة جماهيرية واضحة أو مشروع وطني ناضج. ورغم أن الشخص المعني لا يُصنّف ضمن القوى ذات التوجه الديني أو الطائفي، إلا أن الفجوة الفكرية والسياسية بينه وبين الحزب الشيوعي تظل كبيرة. إذ لا وجود لمشتركات أيديولوجية أو برنامجية بين الطرفين، ما يطرح السؤال التالي: لماذا يتورط الحزب الشيوعي في تحالفات من هذا النوع مرة تلو أخرى؟

الجواب – وإن بدا مؤلماً – قد يكمن في تراجع الثقة بالذات التنظيمية، والبحث عن أي نافذة تعيد الحزب إلى المشهد، حتى لو جاءت من باب التبعية لا الندية. وهو خيار لا يمكن وصفه بالواقعية السياسية، بل هو أقرب إلى المقامرة بالمبدأ، خصوصاً عندما يكون الطرف المقابل عاجزاً عن منح الحزب موقعاً فاعلاً، أو على الأقل مساحة تحافظ على رمزيته.

وفي هذا السياق، كان لافتاً انخراط الحزب الشيوعي العراقي في هذا التحالف، وهو الحزب الذي يحمل على كتفيه إرثاً نضالياً طويلاً وصراعاً طبقياً ممتداً، ويُنظر إليه كممثل تقليدي للتيارات اليسارية في العراق. الانضمام إلى تحالف لا يملك مقومات الصعود الجدي يُعد، بالنسبة لكثير من المراقبين، تراجعاً عن الخط السياسي الذي تبناه الحزب، لا سيما بعد احتجاجات تشرين، التي منحته فرصة نادرة لاستعادة مكانته بين شرائح واسعة من الشباب والمهمشين.

الثمن: خسارة الجمهور لا السلطة

الخطورة لا تكمن فقط في ضعف التحالف أو محدودية تأثيره، بل في الانعكاسات التي يتركها على القاعدة الجماهيرية التقليدية للحزب. فالجمهور اليساري، خصوصاً بعد احتجاجات تشرين، بات أكثر وعياً بطبيعة الفروق الجوهرية بين المشاريع. وتكرار تحالف الحزب مع قوى لا تمثل هذا الوعي، أو لا تشاركه قيمه، يدفع هذا الجمهور إلى الابتعاد، أو في أقل الأحوال، إلى النظر بعين الريبة للمواقف الصادرة عن قيادة الحزب.

لقد أثبتت التجربة أن الانحراف عن الثوابت لا يمنح مكاسب سياسية بقدر ما يوسع من هوة العزلة بين الحزب وشارعه الطبيعي. والمفارقة أن من يتم التحالف معهم غالباً ما يكونون هم المستفيدون من ثقل الحزب الرمزي، بينما يتراجع هو إلى الظل،

الحزب بحاجة إلى مراجعة جوهرية

التحالفات ليست محظورة على الأحزاب الأيديولوجية، بل قد تكون ضرورة أحياناً في مشهد سياسي متعثر. لكن السؤال المحوري هو: مع من نتحالف؟ ولماذا؟ وهل يؤدي هذا التحالف إلى تقوية مشروع الحزب أم إلى تفريغه من محتواه؟

الحزب الشيوعي العراقي اليوم في مفترق طرق. إما أن يستعيد بوصلته الفكرية ويعيد النظر في تحالفاته وفق معايير استراتيجية تتسق مع هويته، أو يستمر في الانخراط في ترتيبات هامشية لا تجلب سوى الخسائر الرمزية وتعمّق من غربته داخل المجتمع.
إنها ليست دعوة للانغلاق، بل للحذر السياسي، وإعادة الاعتبار لمقولة أن التناقض الأيديولوجي لا يُعالج بالرغبة، بل بالتحليل العميق، والإصرار على أن المشروع السياسي لا يُختصر في الشعارات، بل في وضوح الرؤية، والصدق مع الذات.


  طباعة  | |  أخبر صديقك  | |  إضافة تعليق  | |  التاريخ : 2025/05/27  | |  القرّاء : 77




عين شاهد
15 قسم
10109 موضوع
2503855 تصفح
الرئيسية
من نحن
إتصل بنا
العراق
السياسية
الأمنية
الإقتصادية
الرياضية
المحلية
كاريكاتير
العراق
صورة وخبر
الصحة
الأسرة والطفل
منوعات
دراسات و بحوث
أقسام أخرى
العالم
مقالات
تقارير
أرشيف
تابعونا





جميع الحقوق محفوظة © 2021 - 2025 تنفيذ، برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net