
كتب / آزاد محسن ||
يُعدُ الأكرادُ في العراقِ من أكثرِ المكوّناتِ الكرديّةِ في المنطقةِ تمتعاً بالحقوقِ والامتيازاتِ السياسيّةِ والاقتصاديّةِ والاجتماعيّة، فقد حصلوا وفقاً للدستورِ العراقيِّ على إقليمٍ خاصٍ بهم يتمتّعُ بالحكمِ الذاتيِّ، وله علمٌ وبرلمانٌ وحكومةٌ محليّةٌ، إضافةً إلى تمثيلٍ واسعٍ في الحكومةِ المركزيّةِ، سواءً عبر البرلمانِ العراقيِّ أو من خلالِ شَغلِ المناصبِ الوزاريّةِ والمناصبِ الخاصّةِ، فضلاً عن تمثيلِهم في السلكِ الدبلوماسيِّ كسفراء وغيرِهم.
حتّى منصب رئيسِ الجمهوريّةِ غالباً ما يُسندُ إلى شخصيّةٍ كرديّةٍ، في تقليدٍ سياسي غيرِ مكتوبٍ، يعكسُ الوزنَ السياسيَّ للمكوّنِ الكرديِّ داخلَ الدولةِ العراقيّة.
وفي الوقتِ الذي ينظرُ فيه أكرادُ تركيا وسوريا وإيران إلى أكرادِ العراقِ بشيءٍ من الحسدِ السياسيِّ لما يَنعَمونَ به من اعترافٍ رسميٍّ وامتيازاتٍ واسعةٍ، فإنَّ الواقعَ المؤلمَ يَكشفُ عن مفارقةٍ كبيرةٍ بينَ ما يتمتّعُ به القادةُ الكردُ، وما يُعانيهِ الشعبُ الكرديُّ في الإقليم.
على الرغمِ من كلِّ ما تحقّقَ على الورقِ، إلّا أنَّ المواطنَ الكرديَّ البسيطَ يَعيشُ في ظلِّ أزماتٍ خانقةٍ، أبرزُها الأمنُ وحرّيّةُ التعبيرِ، وأزمةُ الرواتبِ، وغيابُ العدالةِ الاجتماعيّةِ، وغيابُ التنميةِ الحقيقيّةِ، فالثرواتُ الهائلةُ التي يتمتّعُ بها الإقليمُ من نفطٍ، ومنافذَ حدوديّةٍ، وسياحةٍ، ومطاراتٍ، وغيرِها، لا تنعكسُ إيجابياً على حياةِ المواطنِ.
والأخطرُ من ذلكَ أنَّ هذه المواردَ غالباً ما تُدارُ بشكلٍ غيرِ شفافٍ، وتُستغلُّ لمصالحَ ضيّقةٍ تخدمُ عوائلَ سياسيّةً حاكمةً، رسّخت السلطةَ في أبنائِها وأحفادِها، في مشهدٍ يُعيدُ إنتاجَ الإقطاعِ السياسيِّ بنسخةٍ حديثةٍ.
رغمَ كلِّ الامتيازاتِ الممنوحةِ للإقليمِ، فإنَّ قياداتِهِ غالباً ما تتعاملُ مع الحكومةِ المركزيّةِ بمنطقِ المطالبةِ المستمرّةِ دونَ الالتزامِ المقابلِ، فهم يُطالبونَ بنصيبِهم الكاملِ من الموازنةِ العامّةِ، ويُصرّونَ على مستحقّاتِ الإقليمِ من الرواتبِ والدعمِ الماليِّ، لكنّهم في المقابلِ
لا يلتزمونَ بتسليمِ إيراداتِ النفطِ، أو المنافذِ الحدوديّةِ، أو حتى تقاريرَ دقيقةٍ عن المواردِ الرسميّةِ وغيرِ الرسميّة.
بل إنَّ بعضَ تلك المواردِ، مثلَ عائداتِ التهريبِ الكمركيِّ، والنفطِ المهرَّبِ، والمطاراتِ، والسياحةِ، تُدارُ بعيداً عن أعينِ الدولةِ، وتُوجَّهُ إلى جيوبِ الفاسدين داخلَ الإقليمِ، ممّا عمّقَ الفجوةَ بينَ الشعبِ وسلطتِهِ المحليّة.
لقد مَنحَ الدستورُ العراقيُّ الأكرادَ فرصةً فريدةً لصياغةِ مستقبلِهم في إطارِ الدولةِ العراقيّةِ، لكنَّ غيابَ الحوكمةِ الرشيدةِ، واستغلال تلكَ الامتيازاتِ من قِبَلِ مجموعةٍ محدودةٍ، أدّى إلى تهميشِ الشعبِ الكرديِّ نفسِهِ، وتحويلِ الحكمِ إلى مشروعٍ عائليٍّ يتوارثُه الأبناءُ والأحفادُ.
وما لم يتمْ تصحيحُ هذا المسارِ، وإعادةُ بناءِ الثقةِ بينَ المواطنِ الكرديِّ وسلطتِهِ، فإنَّ هذه الامتيازاتِ ستبقى مجرّدَ مكاسبَ سياسيّةٍ شكليّةٍ، لا تَعني شيئاً في حياةِ المواطنِ الكرديِّ اليوميّةِ.