الأربعاء 24 سبتمبر 2025

  • القسم الرئيسي : مقالات .
        • القسم الفرعي : المقالات .
              • الموضوع : تل أبيب تقتل.. وواشنطن تبتسم!‎ .

تل أبيب تقتل.. وواشنطن تبتسم!‎

 

 

 

 

 

إيهاب مقبل

منذ اندلاع الحرب الأخيرة على غزة، بدا الموقف الأمريكي وكأنه نسخة مكررة من كل الحروب السابقة: بيانات رسمية عن “ضبط النفس”، وعبارات عن “القلق الإنساني”، مقابل تدفق غير محدود من الدعم العسكري لإسرائيل وغطاء سياسي في المحافل الدولية.

لكن لماذا تصر واشنطن على استمرار نزيف الدم في غزة؟ الإجابة تكمن في مزيج من الأهداف المعلنة أمام الإعلام، والأهداف الخفية التي تُدار خلف أبواب مغلقة.

أولاً: الأهداف المعلنة – ما تقوله واشنطن بصوت مرتفع
أول ما تصرح به الإدارة الأمريكية يتعلق بحماية أمن إسرائيل. فإسرائيل تُعد “الحصن المتقدم” لأمريكا في الشرق الأوسط، ونقطة مركزية للتحكم بالمنطقة. الهدف المعلن: ضمان التفوق العسكري لإسرائيل ومنع أي تهديد مباشر، كما يتضح من تزويدها بأنظمة “القبة الحديدية” والطائرات المقاتلة الحديثة.

إضافة لذلك، تصر واشنطن على محاربة ما تصفه بالإرهاب، حيث تُصنَّف حماس والفصائل الفلسطينية كمنظمات إرهابية، مما يتيح تبريراً دولياً للتدخل العسكري.

كما يبرز شعار “ضمان الاستقرار الإقليمي” في بياناتها الرسمية، إلا أن هذا المصطلح غالباً ما يُستخدم لتغطية السيطرة الأمريكية على التوازنات الإقليمية ومنع أي دولة عربية من الابتعاد عن دائرة النفوذ الأمريكي.

ثانياً: الأهداف غير المعلنة – ما يُدار خلف الستار
خلف هذا الغطاء الرسمي، هناك أهداف استراتيجية أمريكية أكثر عمقاً. أولها إبقاء الدول العربية معتمدة على الحماية الأمريكية، حيث يعمّق استمرار الحرب شعور الخوف لدى دول الخليج، ويزيد اعتمادها على واشنطن عسكرياً وأمنياً.

كما تهدف واشنطن إلى إضعاف أي مشروع نهضوي عربي أو إسلامي، فالنزاعات تمنع بروز أي قوة اقتصادية أو عسكرية مستقلة قد تنافس النفوذ الأمريكي. الحرب أيضاً تُعمّق الانقسام العربي والإسلامي بين الدول المطبعة والرافضة للتطبيع مع إسرائيل، مما يعيق أي جهد سياسي موحد لدعم فلسطين.

جانب آخر مهم يتعلق بالتجارب الميدانية للأسلحة الأمريكية، حيث تُستخدم غزة كحقل تجارب مباشر للطائرات بدون طيار، والقنابل الذكية، والصواريخ الدقيقة. في الوقت ذاته، تعمل واشنطن على إدارة الرأي العام الأمريكي والدولي، حيث يخلق استمرار الحرب “خطر خارجي” موحداً يشتت الانتباه عن الأزمات الداخلية.

ثالثاً: أمريكا المقرر الرئيسي، وإسرائيل المنفذة
الحقائق على الأرض تؤكد أن واشنطن هي من تحدد استمرار أو وقف الحرب على غزة، بينما إسرائيل تنفذ التعليمات فوراً. أي ضغط دولي على إسرائيل وحدها لن يحقق شيئاً دون توافق مع إرادة واشنطن، مما يجعلها لاعباً محورياً في كل خطوة من خطوات الحرب.

رابعاً: البعد الديني والأيديولوجي
هناك بعد ديني يؤثر على السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل، يتمثل في دعم اليمين المسيحي الإنجيلي لإسرائيل لأسباب دينية، وهو ضغط انتخابي مؤثر على الكونغرس. تبرر الصهيونية المسيحية الاحتلال والتهجير على أنه تنفيذ لخطة إلهية، ما يعزز استمرار السياسة الأمريكية دون النظر للعواقب الإنسانية في غزة.

خامساً: البعد الاقتصادي – تنشيط سوق السلاح والأسواق المرتبطة بالحرب
استمرار النزاع يضمن تدفق عقود الأسلحة الأمريكية إلى إسرائيل والدول المتأثرة، ويعزز الصناعات الدفاعية، ويخلق إيرادات ضخمة للشركات الأمريكية، ما يعكس هدفاً اقتصادياً غير معلن وراء استمرار الحرب.

ورقة النفط – السلاح العربي والإسلامي
التاريخ يثبت أن النفط يمكن أن يكون سلاحاً سياسياً قوياً، كما أظهرت حرب أكتوبر 1973 حين فرضت الدول العربية حظراً نفطياً على الدول الداعمة لإسرائيل. اليوم، تمتلك عدة دول القدرة على استخدام النفط كسلاح ضغط: السعودية، الإمارات، العراق، الكويت، قطر، الجزائر، وليبيا.
يمكن لهذه الدول خفض الإنتاج، تغيير مسارات التصدير، والتنسيق داخل أوبك+، وربط استقرار السوق بوقف الحرب على غزة، ما يضع واشنطن وإسرائيل أمام معادلة اقتصادية صعبة.

إيران – لاعب طاقة وسياسة
تملك إيران القدرة على تهديد مضيق هرمز، بما يضغط على صادرات النفط والغاز ويؤثر اقتصادياً وسياسياً على الغرب. إلا أن استخدام هذه الورقة محفوف بالمخاطر، إذ قد يؤدي إلى مواجهة عسكرية مباشرة مع أمريكا الشمالية وحلفائها.

تركيا – القوة الإقليمية الفاعلة
تركيا تلعب دوراً دبلوماسياً وسياسياً مهماً في دعم القضية الفلسطينية، من خلال قيادة مبادرات سلام أو وقف إطلاق النار عبر الجامعة الإسلامية والمنظمات الدولية. كما تقدم دعمًا إنسانيًا كبيرًا لغزة، مما يعزز شعبيتها الإقليمية. إمكانياتها تشمل أيضاً استخدام نفوذها داخل حلف شمال الأطلسي لممارسة ضغط سياسي على واشنطن فيما يتعلق بسلوك إسرائيل.

باكستان – الصوت الإسلامي الكبير
باكستان تلعب دوراً رمزياً وسياسياً في الدفاع عن الفلسطينيين، كونها دولة ذات غالبية مسلمة كبيرة وسجل تاريخي في دعم القضية الفلسطينية. يمكنها ممارسة ضغوط دبلوماسية عبر الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، وتفعيل التضامن الإسلامي مع غزة، ودعم مبادرات إنسانية وإغاثية تؤثر على الرأي العام الدولي. رغم محدودية القدرة العسكرية المباشرة، يبقى صوتها السياسي والدبلوماسي مؤثراً جداً على المجتمع الإسلامي العالمي.

الخاتمة

أمريكا لا تدعم وقف الحرب على غزة لأنها تخدم أهدافها الاستراتيجية: حماية إسرائيل، السيطرة على المنطقة، تنشيط سوق السلاح، وإبقاء العرب والمسلمين في تبعية أمنية وسياسية.

إسرائيل ليست من تحدد توقيت وقف الحرب، بل مجرد منفذ لتعليمات واشنطن.

مع ذلك، يمتلك العرب والمسلمون، ومعهم إيران وتركيا وباكستان، ورقة ضغط قوية: النفط والغاز، الدعم الدبلوماسي، والإغاثة الإنسانية، والتحرك السياسي الإقليمي. إذا استخدموا هذه الورقة بحكمة ووحدة، فإن واشنطن ستجد نفسها أمام معادلة سياسية واقتصادية صعبة، قد تضطر معها لإعادة النظر في موقفها.

غزة تنزف اليوم، لكن التاريخ يعلمنا أن الدم قد يهزم السلاح إذا دعمت الإرادة السياسية وحدة وعزماً حقيقياً.


  طباعة  | |  أخبر صديقك  | |  إضافة تعليق  | |  التاريخ : 2025/08/18  | |  القرّاء : 77




عين شاهد
15 قسم
11443 موضوع
3616506 تصفح
الرئيسية
من نحن
إتصل بنا
العراق
السياسية
الأمنية
الإقتصادية
الرياضية
المحلية
كاريكاتير
العراق
صورة وخبر
الصحة
الأسرة والطفل
منوعات
دراسات و بحوث
أقسام أخرى
العالم
مقالات
تقارير
أرشيف
تابعونا





جميع الحقوق محفوظة © 2021 - 2025 تنفيذ، برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net