الأربعاء 24 سبتمبر 2025

  • القسم الرئيسي : مقالات .
        • القسم الفرعي : المقالات .
              • الموضوع : في ذكرى تغييب الإمام الصدر ما هي أسباب وحقيقة إختفائه؟ .

في ذكرى تغييب الإمام الصدر ما هي أسباب وحقيقة إختفائه؟

 

 

 

 

 

د. أحمد الزين


لقد مضت سبع وأربعون عاماً على إختطاف الإمام موسى الصدر، والذي اختفى بصورة مريبة وغامضة في 31 آب/ أغسطس عام 1978، عندما كان في زيارة إلى ليبيا بدعوة رسمية من رئيسها المقبور معمر القذافي، ولا يزال غموض تغييبه قائما، ولم تنجح كل المحاولات والوساطات الدولية من  تحديد مكانه او الكشف عن مصيره، والذي بات لغزا سياسيا ودينيا وتاريخيا، ولا يزال هذا السرّ مدفونا دون الكشف عن فصوله وفك شيفرته حتى يومنا هذا.
وبالرغم من محاولة الدولة اللبنانية و"حركة أمل" والقادة المعنيين بتكليف "اللجنة اللبنانية لمتابعة القضية"، سياسيا وقضائيا وإنسانيا، لكنه لم يتم بذل الجهود الكافية، او القيام بالتحرك الفعلي والضغط اللازم، ويرجع السبب أما لوجود تقصير عفوي أو متعمد أو لعدم بذل الرغبة الحقيقية أو لعدم توفرالنيات المخلصة تبتغي كشف المستور.. والواضح ان الجميع مقصرين في هذه القضية او مشاركين في تمييعها وتضييعها وإخفائها لاهداف شخصية او سياسية او إقطاعية داخلية أو لاهداف تتعلق بمخططات أمريكية صهيونية عالمية..
فقد كانت حياة الإمام الصدر قصيرة في لبنان، الذي عاش فيه حوالي 18 عاما، إلا انه ترك آثارا كبيرة جدا على تغيير النظام اللبناني الطائفي آنذاك، وترك بصمات جليلة على إستنهاض الطائفة المسلمة الشيعية المستضعفة في لبنان من سباتها، وأستثمر طاقاتها العلمية ونخبها الصاعدة وقدراتها الهائلة بعد تهميشها واستبعادها، ونجح في إضعاف نفوذ المارونية السياسية والطوائف الاخرى والعائلات الاقطاعية، وعمل على أنتزاع منهم فائض القوة العرفية التي فرضها الانتداب الفرنسي في لحظة تاريخية، الذين أستغلوا وأستأثروا وأستولوا على  السلطة والحكم وكل الامتيازات والمناصب لهم رافضين الشراكة الوطنية.. فقام الإمام بخطوات حثيثة لتصحيح التاريخ وتغيير الواقع المفروض بسلسلة من الاجراءات الجريئة لإعادة التوازن الطائفي والتوافق السياسي والاجماع الوطني.. إنطلاقا من إيمانه بالتعايش الإسلامي المسيحي الذي أعتبره ثروة يجب التمسك بها، من أجل حماية العيش المشترك والسلم الأهلي.. فكان أول عالم دين في لبنان يحاضر في الكنائس كما يحاضر في المساجد والمعاهد والجامعات، وكرّس مفهوم التعايش عمليا بحضوره ودفاعه عن الطوائف جميعهم، وكانت أفكاره الرائدة وخطاباته وقيمه الحضارية تركّز على خدمة الانسان المحروم بغض النطر عن دينه او عقيدته او جنسه او قوميته او إنتمائه.. وهو الذي رفع الشعار الوطني الخالد والذي تبناه دستور الطائف عام 1989: " لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه"، أي ليس حصرا لفئة واحدة طاغية ومتحكمة على مفاصل الدولة ومؤسساتها كما كان.. بل الوطن يستقيم بالمشاركة المتوازنة والمناصفة في الحكم، والمساواة بين أبنائه المقيمين والمغتربين وأحترام تنوع الطوائف.. حيث قال: "ليس في العالم شعب صغير وشعب كبير بل شعب يريد الحياة وشعب لا يريدها، وان الطائفية نقمة وتعدد الطوائف نعمة وأن الطوائف نوافذ حضارية".
وتبنى الإمام الصدر خطاب التسامح والاعتدال  للتقريب بين الطوائف المذاهب، وبثّ روح التعايش والوحدة والمحبة، وهو القائل: "إنّ المسيحيين هم إخوان لنا في الوطن وفي الإيمان". ودعا الى تعزيز الوحدة الوطنية ومقاومة المحتل الصهيوني، ورفض مفهوم ان "قوة لبنان بضعفه"، بل أعتبر: أن "قوة لبنان بوحدته ومقاومته".. وأعتبر ان هذا المفهوم الجديد هو الذي يعيد للدولة هيبتها وقوتها وتماسكها، ويبني مشروع دولة حضارية قادرة عادلة راسخة، ويؤمّن عوامل الاستقرار والاستقلال والسيادة.. وليس الفيدرالية (التي فرضتها الحرب الأهلية عام 1975)، ولا مجرد تعايش مؤقت مصتنع هش يكون عرضة للانقسام والتفكك والاحتراب عند أي أزمة طارئة داخلية أو خارجية.. (كما يحصل اليوم بتبني الحكومة اللبنانية بالورقة الاميركية الاسرائيلية أنموذجا).
وعندما تقاعست الدولة اللبنانية عن القيام بدورها في حماية أبناء جنوب لبنان، وتغاضت عن إعتداءات الكيان الصهيوني، دعا الإمام الصدر الى إحياء ثقافة المقاومة ضد المحتل الصهيوني، وأنشأ "حركة المحرومين" وذراعها العسكري "أمل" لمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية وأحباط مشروعها بضم جنوب لبنان، حيث قال: "إن لبنان دون منطقة الجنوب أسطورة (خرافة)، وأن الجنوب القوي سياج لبنان". وقال: "الوطن يحفظ بالجهاد والكرامات تحفظ بالشهادة". وأعتبر ان مفهوم المواطنة والوطنية والسيادة تتجلى في التضحية والشهادة للدفاع عن الوطن والارض والانسان، من خلال مقولته الخالدة: "السلاح زينة الرجال".  وكان يؤمن بالدفاع عن القضية الفلسطينية العادلة، ويملك رؤية استراتيجية لتحرير القدس والمقدسات، من خلال تفعيل المقاومة والكفاح المسلح على أيدي المؤمنين، رافعا شعاراته الشهيرة: "إسرائيل شر مطلق"، والتعامل معها حرام، و"عيشنا دون القدس موتٌ وذلّ وهوان"، و"إن شرف القدس يأبي أن يتحرر إلا على أيدي المؤمنين".
فكان الإمام الصدر قائدا عظيما وعالما مجتهدا، ومفكرا مصلحا، وحكيماً عقلانياً معتدلاً، لذلك أحبه اللبنانيون والعرب بمختلف طوائفهم، وليس الشيعة فقط، وكان وجوده وخطه الإصلاحي التغييري، وفكره النهضوي المقاوم مؤثرا جدا في لبنان والمنطقة. فكان يدعو من خلال رؤيته الاستراتيجية الى تنامي ثقافة المقاومة وبناء القوة العسكرية، ومقارعة الظالمين والمحتلين والغزاة والطغاة..  وهذه الرؤية كانت تضرّ بامريكا ومصالحها، ومصالح قاعدته العسكرية المسماة بـ "إسرائيل"، والتي شكلت تهديدا أستراتيجيا لامريكا وحلفائها، وتهديدا وجوديا لذراعها الكيان الصهيوني، وأصبح العدو الرئيس لـهم.
لذلك، نعتبر في سياق تاريخ السلوك الإجرامي لامريكا و"إسرائيل"، بانهما المسؤولان المباشران عن جريمة إختفاء الإمام الصدر، بالايعاز الى عميلهم القذافي المقبور في الإعداد والتخطيط معا لعملية إختطافه وتصفيته، تماما، كما أوعزوا الى عميلهم صدام حسين المقبور في العراق بشن حرب عدوانية على الجمهورية الإسلامية الايرانية باعتراف المسؤولين الامريكيين، وكما أعتراف المجرم ترامب علنا وبكل وقاحة بتنفيذ عملية إغتيال الشهيدين سليماني والمهندس في مطار بغداد عام 2020. والشاهد اليوم ما تفعله امريكا من خلال الخداع والدبلوماسية المغلفة بالتهديد والوعيد، وما تحضره وتخطط له لنزع سلاح حركات المقاومة في المنطقة وتجريدهم من عناصر قوتها وإقتدارها، لضمان أمن "إسرائيل" والبقاء على تفوقها العسكري لإنشاء حلمها التوراتي التلمودي "إسرائيل الكبرى" من الفرات الى النيل، وما تقوم به امريكا بتقديم السلاح والمعلومات الامنية والاستخبارية الى الكيان الصهيوني والايعاز بالوكالة إليه لشنّ الحرب الاخيرة في حزيران الماضي على إيران، وتوكيله بتنفيذ عمليات الاغتيالات والتصفية لقادة المقاومة ومجاهديها في فلسطين ولبنان واليمن والعراق وإيران، باستخدام وكلائهم وعملائهم.. (وما تفعله أمريكا في لبنان حاليا أنموذجا).
لقد صدق الإمام الخميني (قده) بنظرته الثاقبة وإستشرافه عندما وصف امريكا بانها "الشيطان الأكبر"، وان "إسرائيل" غدة سرطانية.. وأعتبر بان امريكا هي طاغوت هذا العصر، ورأس الشرّ والكفر في العالم، لانها صانعة للحروب والدمار في هذا العالم، وأنها رأس الحربة في مشروعها الاستعماري في القضاء على الإسلام ومحاربة المسلمين، وإحتلال دولهم لنهب ثرواتهم من نفط وغاز ومعادن ثمينة، كما خططت وحاربت في كثير من دول حول العالم.. وحديثا ما تفعله في أوكرانيا للاستيلاء على ثرواتها ومعادنها الثمينة، من خلال إستفزاز روسيا، وكانت السبب في إشتعال الحرب الروسية الأوكرانية عام 2022، لتصل الى أهدافها وأطماعها وتأمين مصالحها الاقتصادية على حساب دماء الشعوب وتجاهل كل القوانين الدولية وضرب كل القيم الدينية والاخلاقية والانسانية.. ولكن السنن الإلهية والتاريخية تفيد بان انظمة الظلم والفساد والطغيان والاستبداد لا تطول ومصيرها حتما السقوط والزوال في نهاية المطاف، إستنادا وإيمانا بما قاله الله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ}، و{إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ}.


  طباعة  | |  أخبر صديقك  | |  إضافة تعليق  | |  التاريخ : 2025/09/01  | |  القرّاء : 46




عين شاهد
15 قسم
11443 موضوع
3617376 تصفح
الرئيسية
من نحن
إتصل بنا
العراق
السياسية
الأمنية
الإقتصادية
الرياضية
المحلية
كاريكاتير
العراق
صورة وخبر
الصحة
الأسرة والطفل
منوعات
دراسات و بحوث
أقسام أخرى
العالم
مقالات
تقارير
أرشيف
تابعونا





جميع الحقوق محفوظة © 2021 - 2025 تنفيذ، برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net