الأربعاء 24 سبتمبر 2025

  • القسم الرئيسي : مقالات .
        • القسم الفرعي : المقالات .
              • الموضوع : العربدة الصهيونية والحالة الصفرية العربية! .

العربدة الصهيونية والحالة الصفرية العربية!

 

 

 

 

 

د. حرزالله محمد لخضر
أبانت الحرب الأخيرة على غزة وما تبعها من عربدة مطلقة للكيان الصهيوني المارق في المنطقة، أن العجز العربي قد وصل إلى مستوى غير مسبوق من الانهزامية والوهن، وهي حالة متأزمة تشتبك فيها العديد من العوامل التاريخية والسياسية التي أسست لهذه الحالة الصفرية في التعامل مع العربدة الصهيونية.
كنا نعتقد ابتداء أن إحجام النظام العربي عن التدخل في غزة يعود إلى الخلافات الأيديولوجية الطاغية على واجب الأخوة، بينه وبين المقاومة الإسلامية (حماس)، وعدم توافقه معها حول مشروع المقاومة، لكن شيئا فشيئا، كشفت الأيام أن هذا لم يكن مجرد موقف لحظي، وليس فقط تجاه المقاومة ؟ بل هي وضعية متأزمة مستحكمة أحالت النظام العربي إلى أشبه بهيكل مشلول، لا يلتاع لأي خطب جلل، ولا يلوي على شيء من قيم العروبة والإسلام والإنسانية.
ضُرب لبنان وقتل الصهاينة الآلاف من اللبنانيين بالبيجر، ولم تتحرك القيادات العربية؟ ثم ضرب اليمن واغتيل طاقم حكومي والمئات من المدنيين، ثم ضربت سوريا ودكت معاقل الأسلحة وثكنات الجيش ووزارة الدفاع، ولم يتحرك أصحاب المعالي؟ وأخيرا ضربت قطر وانتهكت حرمة دولة عربية وسيطة، ما كان يظن أكثر المتشائمين أن عربدة الكيان واستباحته للمنطقة قد تدفعه للبزق في وجوه كل العرب، والضرب بكل التقاليد الدبلوماسية عرض الحائط، ومع ذلك لم تجد القيادات العربية من حرج في تكرار متلازمتها الممجوجة في الإدانة والشجب والاستنكار بأقسى العبارات ؟؟


وفي المقابل، لا وجود لأي حديث عن تدخل عسكري على منوال (عاصفة الحزم) أو (التحالف ضد داعش) أو تمويل حركات جهادية للقتال كما حصل في سوريا أو في أفغانستان خلال الصراع مع الاتحاد السوفياتي، بل تجاوز ذلك إلى غياب أي تحرك سياسي أو دبلوماسي مؤثر، فلم نشهد مثلاً سحب سفراء، أو تعليق اتفاقات اقتصادية، أو اتفاقات التطبيع، أو حتى ممارسة ضغوط دبلوماسية حقيقية في المحافل الدولية؟
 ونتساءل إزاء كل هذا: لِمَ يشتري العرب السلاح ؟ ولأجل من يبرمون تلك الصفقات المليارية الدولارية ؟ على حساب قطاعات التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية والبنية التحتية ؟؟
لا شك أن هذه الحالة الصفرية العربية ليست وليدة اللحظة، بل تجمعت عوامل متداخلة دفعت نحو هذه الوضعية الهجينة اللعينة، بدأت منذ أن قبل العرب بالتمكين للمشاريع الأمريكية في دولهم، وشرَّعوا أبواب سيادتهم لها حتى استباحت بيضتهم، فمن المناهج التعليمية إلى الشراكات الاقتصادية إلى الاعتماد العسكري الكامل، وصولا إلى تغيير القاعدة الديمغرافية والاختراق الثقافي وحتى الديني في بعض الدول، (اتفاقات أبراهام وموسم الرياض) كلها عوامل خلقت حالة تبعية شاملة، يصعب تفكيكها في المنظور القريب والمتوسط، خاصة في ظل (الزعامات) الراهنة.

فالكثير من الدول العربية ترتبط ارتباطاً شديداً بالسياسات الأمريكية التي تضمن لها دعم النظام السياسي والبقاء في السلطة، مما يجعل أي تحرك ضد الكيان الصهيوني أو في دعم المقاومة الفلسطينية يخيفها من فقدان هذا الدعم، خاصة مع وجود تعاون أمني عسكري مع الكيان في بعض الدول.
كما أن الشلل السياسي والمؤسسي للنظام العربي تسبب في أزمة هيكلية عميقة جعلت الأنظمة العربية عاجزة عن اتخاذ موقف حاسم يؤثر في الصراع مع الاحتلال. هذه الأزمة تعود إلى الاستبداد السياسي، وانعدام الديمقراطية الحقيقية، والاحتكار والاستئثار بالسلطة، مما أدى إلى فقدان شرعية هذه الأنظمة ومصداقيتها داخلياً وخارجياً.
كما شكلت حالة التفكك والانقسامات الداخلية، معاول هدم لأي مشروع وحدوي عربي أو إسلامي، فالنظام العربي يعاني من حالة انقسام سياسي حادة، وفوضى مستدامة جراء الصراعات العربية التي تغذيها باستمرار القوى الدولية والأنانيات الضيقة للقادة العرب، بالإضافة إلى وجود محاور ودول تعمل بمعزل عن بعضها البعض، مما يحول دون وجود استراتيجية عربية إسلامية موحدة تجاه فلسطين وقضايا المنطقة.
كما أن توقيع بعض الدول العربية على اتفاقات “أبراهام” لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني خلق شرخاً كبيراً في الموقف العربي والإسلامي، وأضعف التضامن السياسي والعملي مع القضية الفلسطينية، كما أتاح للكيان الصهيوني تحالفات عسكرية وأمنية واقتصادية مع بعض هذه الدول ضد بعضها، مما أضعف الضغط العربي عليها.
إن هذه الحالة الصفرية للنظام العربي جعلته رهينة وضع مربك ومتأزم، يدفع به بشكل آلي وتراجيدي إلى نقيض مصلحته، والتآكل من داخله، دون أن يجد سبيلا للخلاص، بذات الآليات التي تحكم قواعده الواهنة وعلاقاته الهشة، وما لم يخرج من هذه الشرنقة التي أحاط بها رقبته ومصيره، جراء السياسات الخاطئة، والخيارات القاتلة، التي اتخذها عبر محطات عديدة، فمن دون شك –بالمنطق الاستراتيجي- سيأتي اليوم الذي تسحب فيه من تحت أرجله، كافة المستندات –اللاشرعية- التي اتكأ عليها إبان لحظات الغرور الجارف.


إن الخروج من هذه الحالة الصفرية يتطلب تحديدا:
إعادة بناء الثقة بين الأنظمة والشعوب: لا يمكن لأي نظام أن يكون قويًا في مواجهة التحديات الخارجية دون أن يمتلك شرعية داخلية وثقة شعبه، فالخروج من حالة الوهن يبدأ بفتح المجال العام، ووقف القمع، وتلبية تطلعات الشعوب في الكرامة والعدالة.
إنهاء ثقافة التبعية: يجب على الأنظمة العربية أن تدرك أن التبعية الكاملة لقوى خارجية (خاصة الولايات المتحدة) لم توفر لها الأمن المزعوم، بل ستجعلها أكثر ضعفًا وانكشافا وتبعية في مواجهة أي ضغوط، فالسبيل هو بناء سياسات مستقلة تنطلق من المصالح العربية العليا، وليس من مصالح واشنطن أو تل أبيب.
تفعيل مؤسسات العمل العربي المشترك: لقد أثبتت المؤسسات القائمة مثل الجامعة العربية عجزها، فيجب العمل على إعادة هيكلة هذه المؤسسات، وإلزام الدول الأعضاء بقرارات جماعية فاعلة، بعيدًا عن ثقافة الشجب والإدانة.
توظيف الأوراق الاقتصادية بذكاء: تملك الدول العربية ثروات وموارد ضخمة، خاصة في قطاع الطاقة، يمكن توظيفها كورقة ضغط قوية في مواجهة أي عدوان، سواء بوقف تصدير الطاقة أو بفرض عقوبات اقتصادية على الدول الداعمة للكيان الصهيوني.
التحول نحو اقتصاد إنتاجي: بدلاً من الاعتماد على صفقات السلاح الباهظة، يجب توجيه الاستثمارات نحو بناء اقتصاديات إنتاجية قوية، تعتمد على المعرفة والتكنولوجيا، مما يقلل من التبعية للخارج ويزيد من القوة التفاوضية.
استعادة الهوية العربية والإسلامية: أثبتت الحرب الأخيرة على غزة أن القضية الفلسطينية ما تزال حية في الوجدان العربي والإسلامي والإنساني، وعليه يجب العمل على تعزيز هذه الهوية وتغذيتها عبر مناهج تعليمية وثقافة عامة لا تهدف إلى “تطبيع” الوعي، بل إلى ترسيخ القيم والمبادئ التي تأسست عليها الأمة.
 التوعية ودعم المقاومة الشعبية: يجب على الشعوب العربية أن تواصل دعمها للمقاومة الفلسطينية بشتى الوسائل، سواء بالمقاطعة الاقتصادية (التي أثبتت نجاحها)، أو بالضغط على الحكومات، أو بدعم المقاومة بكل أشكالها، لأنها هي خط الدفاع الأول والأخير عن كيان الأمة.
إن الخروج من هذه الحالة الصفرية ليس بالأمر الهين، ولكنه ليس مستحيلاً، فلقد أثبتت المقاومة في فلسطين أن الإرادة هي أساس القوة، وأن الوهن الحقيقي هو وهن الإرادة، وليس وهن الإمكانات.


  طباعة  | |  أخبر صديقك  | |  إضافة تعليق  | |  التاريخ : 2025/09/10  | |  القرّاء : 57




عين شاهد
15 قسم
11437 موضوع
3614718 تصفح
الرئيسية
من نحن
إتصل بنا
العراق
السياسية
الأمنية
الإقتصادية
الرياضية
المحلية
كاريكاتير
العراق
صورة وخبر
الصحة
الأسرة والطفل
منوعات
دراسات و بحوث
أقسام أخرى
العالم
مقالات
تقارير
أرشيف
تابعونا





جميع الحقوق محفوظة © 2021 - 2025 تنفيذ، برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net